[٧٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ؛ ثم قال له : (فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [البقرة : ٢٦٦].
قلنا : لمّا كان النخيل والأعناب أكرم الشّجر ، وأكثرها منافع ، خصّهما بالذّكر ، وجعل الجنّة منهما ؛ وإن كان فيها غيرهما ؛ تغليبا لهما ، وتفضيلا.
[٧٤] فإن قيل : قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البقرة : ٢٧٣] ، يدل بمفهومه على أنّهم كانوا يسألون الناس برفق ؛ فكيف قال : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) [البقرة : ٢٧٣].
قلنا : المراد به نفي السؤال والإلحاف جميعا ، كقوله تعالى : (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) [البقرة : ٧١] وكقول الأعشى :
لا يغمز الساق من أين ولا وصب
معناه : ليس بساقه أين ولا وصب ، فيغمزها.
[٧٥] فإن قيل : كيف قال : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] الآية ؛ ألحق الوعيد بآكله ؛ مع أنّ لابسه ومدّخره وواهبه ، أيضا ؛ في الإثم سواء؟
قلنا : لمّا كان أكثر الانتفاع والهمم بالمال ، إنّما هو الأكل ؛ لأنّه مقصود لا غناء عنه ، ولا بدّ منه ؛ عبّر عن أنواع الانتفاع بالأكل ، كما يقال : أكل فلان ماله كله ، إذا أخرجه في مصالح الأكل وغيره؟
[٧٦] فإن قيل : كيف خصّ الآكل بذكر الوعيد دون المطعم ، وكلاهما آثم؟
قلنا : لأنّ انتفاعه الدّنيوي بالرّبا أكثر من انتفاع المطعم.
[٧٧] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، والكلام إذ ذاك في الرّبا ، ومقصودهم تشبيهه بالبيع ؛ فقياسه : إنّما الرّبا مثل البيع ، في حلّه؟
قلنا : جاءوا بالتّمثيل على طريق المبالغة ؛ وذلك أنه بلغ من اعتقادهم استحلال الرّبا أنهم جعلوه أصلا في الحلّ ، والبيع فرعا ، كقولهم : القمر كوجه زيد ، والبحر ككفّه ، إذا أرادوا المبالغة.
__________________
[٧٤] إلحاف : إلحاح.
ذلول : أي منقادة ، غير متصعّبة.
أين : إعياء وتعب.
وصب : السقم والمرض. وجمعه أوصاب. والفعل : وصب.
يغمز : من الغمز وهو الإشارة. ويكون بالعين واليد والجفن. يقال : فلان فيه غميزة ، أي نقيصة وعيب. ويقال : غمزت الكبش ، إذا فحصت بيدك عن شحمه وسمنه.