[٧٨] فإن قيل : كيف قلتم إنّ أهل الكبائر لا يخلّدون في النار ، وقد قال الله تعالى ، في حقّ آكل الرّبا : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة : ٢٧٥].
قلنا : الخلود يستعمل بمعنى طول البقاء ، وإن لم يكن بصفة التأبيد ؛ يقال : خلّد الأمير فلانا في الحبس ، إذا أطال حبسه ؛ أو أن قوله : (فَأُولئِكَ) إشارة إلى من عاد إلى استحلال الرّبا ، بقوله : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، بعد نزول آية التحريم ؛ وذلك يكون كافرا ، والكافر مخلّد في النار.
[٧٩] فإن قيل : إنظار المعسر فرض بالنصّ ، والتصدّق عليه تطوّع ؛ فيكف قال : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٨٠].
قلنا : كلّ تطوّع كان محصّلا للمقصود من الفرض ، بوصف الزّيادة ، كان أفضل من الفرض ؛ كما أنّ الزّهد في الحرام فرض وفي الحلال تطوّع ، والزّهد في الحلال أفضل كما بيّنا ؛ كذلك ، هنا.
[٨٠] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (بِدَيْنٍ) [البقرة : ٢٨٢] ؛ وقوله تعالى : (تَدايَنْتُمْ) مغن عنه؟
قلنا : فائدته رجوع الضّمير إليه في قوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ) [البقرة : ٢٨٢] إذ لو لم يذكره لقال : فاكتبوا الدّين ، فالأوّل أحسن نظما ؛ أو لأنّ التّداين مشترك بين الإقراض والمبايعة وبين المجازاة ، وإنّما يميّز بينهما بفتح الدّال وكسرها ؛ ومنه قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] ، أي الجزاء (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] فذكر الدّين ليتعيّن أي المعنيين هو المراد.
[٨١] فإن قيل : كيف شرط السفر في الارتهان بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) [البقرة : ٢٨٣] الآية ، وجواز الرهن لا يختصّ بالسّفر؟
قلنا : لم يذكره لتخصيص الحكم به ؛ بل لمّا كان السفر مظنّة عوز الكاتب ، والشّاهد الموثوق بهما ، أمر ـ على سبيل الإرشاد ـ لحفظ مال المسافرين بأخذ الرّهان.
[٨٢] فإن قيل : ما فائدة ذكر القلب في قوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة ٢٨٣] ، مع أنّ الجملة هي الموصوفة بالإثم لا القلب وحده؟
قلنا : كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها ؛ فلمّا كان ذلك إثما مقترنا بالقلب ومكتسبا له ، أسند إليه ؛ لأنّ إسناد الفعل إلى الجارحة الّتي يعمل بها أبلغ ؛ كما يقال : هذا ما أبصرته عيني ، وسمعته أذني ، ووعاه قلبي.