والحياة والموت ، والبحر والبر ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، ونحو ذلك.
[١٠٣٤] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) [الذاريات : ٥٠] وقال سبحانه في موضع آخر (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨]؟
قلنا : معنى قوله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي الجئوا إليه بالتوبة. وقيل معناه : ففروا من عقوبته إلى رحمته ، ومعنى قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي يخوفكم عذاب نفسه أو عقاب نفسه. وقال الزجاج : معنى نفسه إياه كأنه قال : ويحذركم الله إياه ، كما قال سبحانه وتعالى : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف : ٢٨] ، أي إيّاه ؛ فظهر أنه لا تناقض بين الآيتين.
[١٠٣٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، وإذا قلنا ، خلقهم للعبادة كان مريدا لها منهم ؛ فكيف أرادها منهم ولم توجد منهم؟
قلنا : فيه وجوه :
أحدها : أنه عام أريد به الخاص وهم المؤمنون ؛ بدليل خروج البعض منه بقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ومن خلق لجهنم لا يكون مخلوقا للعبادة.
الثاني : أنه على عمومه ، والمراد بالعبادة التوحيد ، وقد وحده الكل يوم أخذ الميثاق ، وهذا الجواب يختص بالإنس ، لأنّ أخذ الميثاق مخصوص بهم بالآية. وقيل معناه : إلا ليكونوا عبيدا لي.
وقيل : معناه إلا ليذلوا ويخضعوا وينقادوا لما قضيته وقدّرته عليهم فلا يخرج عنه أحد منهم.
وقيل : معناه إلا ليعبدون إن اختاروا العبادة لا قسرا وإلجاء.
وقيل : إلا ليعبدون العبادة المرادة في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [الرعد : ١٥] والعموم ثابت في الوجوه الخمسة.
[١٠٣٦] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧] ، بعد قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات : ٥٧]؟
قلنا : معناه ما أريد منهم من رزق لأنفسهم ، وما أريد أن يطعمون ، أي أن يطعموا عبيدي ؛ وإنما أضاف الإطعام إلى ذاته المقدسة ؛ لأن الخلق عياله وعبيده ، ومن أطعم عيال غيره فكأنه أطعمه ، ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : «إنّ الله عزوجل يقول ، يوم القيامة : يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني» ، أي استطعمك عبدي فلم تطعمه.