وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) [الرحمن : ٣٥] فكيف حسن الامتنان بعدها بقوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣]؟
قلنا : من جملة الآلاء دفع البلاء وتأخير العقاب ، فإبقاء من هو مخلوق للفناء نعمة. وتأخير العقاب عن العصاة أيضا نعمة فلهذا امتن علينا بذلك.
[١٠٥٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] ، والله تعالى لا يشغله شيء؟
قلنا : قال الزّجّاج : الفراغ في اللغة على ضربين : أحدهما الفراغ من شغل ، والآخر القصد للشيء والإقبال عليه ، وهو تهديد ووعيد ، ومنه قولهم : سأتفرغ لفلان ، أي سأجعله قصدي ؛ فمعنى الآية سنقصد لعقابكم وعذابكم وحسابكم.
[١٠٥٨] فإن قيل : كيف وعد سبحانه الخائف جنتين فقط؟
قلنا : لأن الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل خائفين من الثقلين جنتان ، جنة للخائف الإنسي ، وجنة للخائف الجني. وقيل : المراد به أن لكل خائف جنتين ، جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي. وقيل : جنة يثاب بها ، وجنة يتفضل بها عليه زيادة لقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] أي الجنة وزيادة.
[١٠٥٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) [الرحمن : ٥٥] ولم يقل فيهما ، والضمير للجنتين؟
قلنا : الضمير لمجموع الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة وغيرهما مما سبق ذكره. وقيل : هو للجنتين ، وإنما جمعه لاشتمال الجنتين على قصور ومنازل. وقيل : الضمير للمنازل والقصور التي دلّ عليها ذكر الجنتين. وقيل : الضمير لمجموع الجنان التي دل عليها ذكر الجنتين. وقيل : الضمير عائد إلى الفرش ، لأنها أقرب ؛ وعلى هذا القول «في» بمعنى على ، كما في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) [الطور : ٣٨].
[١٠٦٠] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٥٦] أي لم يفتضهن ، ونساء الدّنيا لا يفتضهن الجان ، فما فائدة تخصيص الحور بذلك؟
قلنا : معناه أن تلك القاصرات الطرف إنسيات للإنس وجنيات للجن ، فلم يطمث الإنسيات إنسي ، ولا الجنيات جني ، وهذه الآية دليل على أن الجن يواقعون كما يواقع الإنس. وقيل : فيها دليل على أن الجني يغشى الإنسية في الدّنيا.