[١١٦٠] فإن قيل : كيف شبه الله تعالى الولدان باللؤلؤ المنثور دون المنظوم؟
قلنا : إنما شبههم سبحانه وتعالى باللؤلؤ المنثور ؛ لأنه أراد تشبيههم باللؤلؤ الذي لم يثقب بعد ؛ لأنه إذا ثقب نقصت مائيته وصفاؤه ، واللؤلؤ الذي لم يثقب لا يكون إلا منثورا. وقيل : إنّما شبههم الله تعالى باللؤلؤ المنثور لأن اللؤلؤ المنثور على البساط أحسن منظرا من المنظوم. وقيل : إنّما شبههم باللؤلؤ المنثور لانتشارهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم وتفريقهم في الخدمة بدليل قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) [الإنسان : ١٩] ، ولو كانوا وقوفا صفا لشبهوا بالمنظوم.
[١١٦١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان : ٢١] ؛ مع أنّ ذلك في الدّنيا إنما هو عادة الإماء ومن في مرتبتهن؟
قلنا : القرآن أول من خوطب به العرب ، وكان من عادة رجالهم ونسائهم من بيت المملكة التحلي بالذّهب والفضّة منفردين ومجتمعين :
الثاني : أن الاسم وإن كان مشتركا بين فضّة الدّنيا والآخرة ، ولكن شتّان ما بينهما! قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «المثقال من فضّة الآخرة خير من الدّنيا وما فيها». وكذا الكلام في السندس والإستبرق وغيرهما ممّا أعده الله تعالى في الجنة.
[١١٦٢] فإن قيل : أيّ شرف لتلك الدّار يسقي الله تعالى عباده الشّراب الطّهور فيها ؛ مع أنه تعالى في الدنيا سقاهم ذلك بدليل قوله تعالى : (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) [المرسلات : ٢٧] ، وقوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) [الحجر : ٢٢].
قلنا : المراد به في الآخرة سقيهم بغير واسطة ، وشتّان ما بين الشرابين! والآنيتين أيضا ، والمنزلتين! [١١٦٣] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] ، الضمير لمشركي مكّة بلا خلاف ؛ فما معنى تقسيمهم إلى الآثم والكفور ، وكلهم آثم وكلّهم كفور؟
قلنا : المراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، فإنه كان ركّابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق ؛ والمراد بالكفور الوليد بن المغيرة ، فإنه كان متغاليا في الكفر شديد الشكيمة فيه ؛ مع أن كليهما آثم وكافر ، والمراد به نهيه عن طاعتهم فيما كانوا يدعونه إليه من ترك الدّعوة وموافقتهم فيما كانوا عليه من الكفر والضلال.
__________________
[١١٦١] السندس : ضرب من الديباج رقيق. والمشهور أنّه معرب.
ـ الإستبرق : فسّره الفيروزآبادي ب الديباج الغليظ. أو ديباج يعمل بالذهب ، أو ثياب حرير صفاق نحو الديباج الخ ،