[٩٥] فإن قيل : كيف قال : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) [آل عمران : ٢٦] ؛ خصّ الخير بالذّكر ، وبيده تعالى الخير والشرّ ، والنفع والضّرّ ، أيضا؟
قلنا : لأنّ الكلام إنّما ورد ردّا على المشركين ؛ فيما أنكروه ، ممّا وعد الله تعالى به نبيّه صلىاللهعليهوسلم على لسان جبريل عليهالسلام ، من فتح بلاد الرّوم وفارس. ووعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم الصحابة بذلك. فلما كان الكلام في الخير خصّه بالذّكر ؛ باعتبار الحال. أو أراد الخير والشرّ. فاكتفى بأحدهما ، لدلالته على الآخر ؛ كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
وإنّما خصّ الخير بالذّكر ؛ لأنّه المرغوب فيه ، المطلوب للعباد ، من الله تعالى.
[٩٦] فإن قيل : كيف قال : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [الحج : ٦١] ، وإيلاج الشّيء ، في الشّيء ، يقتضي اجتماع حقيقتهما ، بعد الإيلاج ؛ كإيلاج الخيط في الإبرة ، والإصبع في الخاتم ، ونحوهما ؛ وحقيقة اللّيل والنهار لا يجتمعان؟
قلنا : الإيلاج قد يكون كما ذكرتم ؛ وقد يكون مع تبدّل صفة أحدهما ، بغلبة صفة الآخر عليه ؛ مع بقاء ذاته فيه ؛ كإيلاج يسير من خبز في لبن كثير ؛ أو بالعكس.
فإنّ الحقيقتين مجتمعتان ذاتا ؛ وصفة إحداهما غالبة على الأخرى. كذلك اللّيل والنهار ، إذا كان اللّيل أربع عشرة ساعة ، بالنّسبة إلى زمن الاعتدال. ففيه من النهار ساعتان قطعا ؛ وكذا على العكس. أو معناه : يولج زمن اللّيل ، في زمن النهار ، وبالعكس. أو يولج اللّيل ، في النهار ؛ وبالعكس. باعتبار أن ليل قوم هو نهار آخرين ؛ وبالعكس. أو معناه أنه خلق ليلا صرفا خالصا. وخلق ما هو ممتزج منهما. وهو ما قبيل طلوع الشّمس ، وقبيل غروبها. والجواب الثّالث والرّابع يعمّان جميع السنة.
[٩٧] فإن قيل : ما فائدة قوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [آل عمران : ٣٦] ، وهو معلوم من غير ذكر؟
قلنا : فائدته اعتذارها عمّا قالته ظنّا ؛ فإنها ظنّت أنّ ما في بطنها ذكر ؛ ولهذا نذرت أن تجعله خادما لبيت المقدس. وكان من شريعتهم صحّة هذا النذر في الذّكور ، خاصة ؛ فلمّا وضعت أنثى ، استحيت ؛ حيث خاب ظنّها ، ولم يتقبّل نذرها ؛ فقالت ذلك معتذرة. تعني ليست الأنثى بصالحة ، لما يصلح له الذّكر ، في خدمة المسجد ؛ لا أنّها أرادت أنّ الأنثى ليست كالذّكر صورة أو قوّة ، أو نحو ذلك. فلمّا قالت ذلك ، منكرة خجلة ، منّ الله عليها ، بتخصيص مريم بقبولها في النذر ؛ دون غيرها من الإناث. فقال تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) [آل عمران : ٣٧].
[٩٨] فإن قيل : المستعمل في مثله إدخال حرف النفي على القاصر ، وحرف
__________________
[٩٨] أبو اللّيث : هو نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي ، أبو الليث. يلقب بإمام الهدى. فقيه من ـ