وتثبيتا على الدّوام عليه ، كما قيل له : (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) [القصص : ٨٦] (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [القلم : ٨].
[١٣٥] فإن قيل : كيف ينهى عن التّقلّب وهو ممّا ليس ينهى عنه؟
قلنا : معناه لا تغترّ بتقلّبهم ، فيكون تقلّبهم قد غرّك ، وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبّب ؛ لأنّ تقلّبهم لو غرّه لاغترّ به ، فمنع السبب ، وهو غرور تقلبهم إياه ، ليمتنع المسبّب ، وهو اغتراره بتقلّبهم.
[١٣٦] فإن قيل : كيف قال : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦] ؛ ولم يقل لا يغرنك نعمهم وأموالهم ؛ والذي يحتمل أن يغرّ الرّسول والمؤمنين النعم والأموال لا التقلب في البلاد؟
قلنا : المراد بتقلّبهم تصرّفهم في التّجارات والنعم ، والتّلذّذ بالأموال ؛ والفقير إنّما يتألّم ، وينكسر قلبه ، إذا رأى الغنيّ يتقلّب في النعمة ، ويتمتع بها ، فلذلك ذكر التقلّب. وقيل : معناه لا يغرنّك تقلّبهم في المعاصي ، غير مأخوذين بذنوبهم.
[١٣٧] فإن قيل : كيف قال : (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [آل عمران : ١٩٩] ؛ مع أنّ قوله : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) موضع البشارة بالثّواب ؛ وسرعة الحساب إنّما تذكر في موضع التّهديد والعقاب؟
قلنا : معناه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، خوفا من حسابه ، فإنّه سريع الحساب ؛ فهو راجع إلى ما قبله.