[٢١٧] فإن قيل : كيف قال : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) [المائدة : ١٤] ولم يقل ومن النصارى؟
قلنا : لأن هؤلاء كانوا كاذبين في دعواهم أنهم نصارى ، وذلك أنهم إنما سموا أنفسهم نصارى ادعاء لنصرة الله تعالى ، وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله ، ثم اختلفوا بعده نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان ، فقال ذلك توبيخا لهم.
[٢١٨] فإن قيل : كيف قال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [المائدة : ٥] مما كتمتموه من الكتاب فلا يظهره ولا يبين كتمانكم إياه ، فكيف يجوز للنبي صلىاللهعليهوسلم أن يمسك عن إظهار حق كتموه مما في كتبهم؟
قلنا : إنما لم يبين البعض لأنه كان يتبع الأمر ولا يفعل شيئا من الأمور الدينية من تلقاء نفسه بل اتباعا للوحي ، فما أمر ببيانه بينه ، وما لم يؤمر ببيانه أمسك عنه إلى وقت أمره ببيانه ، وعلى هذا الجواب يكون لفظ العفو مجازا عن الترك ، فيكون قد أعلمه الله به وأطلعه عليه ولم يأمره ببيانه لهم فترك تبيانه لهم.
الثاني : أن ما كان في بيانه إظهار حكم شرعي كصفته ونعته والبشارة به وآية الرجم ونحوها بينه ، وما لم يكن في بيانه حكم شرعي ولكن فيه افتضاحهم وهتك أستارهم فإنه عفا عنه.
الثالث : أن عقد الذمة اقتضى تقريرهم على ما بدلوا وغيروا من دينهم ، إلا ما كان في إظهاره معجزة له وتصديق لنبوته من نعته وصفته ، أو ما اختلفوا فيه فيما بينهم وتحاكموا إليه فيه كحكم الزنا ونحوه.
[٢١٩] فإن قيل : كيف قال : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) [المائدة : ١٥ ، ١٦] ، مع أنّ العبد ما لم يهده الله أولا ، لا يتبع رضوانه ؛ فيلزم الدور؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : يهدي به الله من علم أنه يريد أن يتبع رضوانه ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ، أي والذين أرادوا سبيل المجاهدة فينا لنهدينهم سبل مجاهدتنا.
[٢٢٠] فإن قيل : لم نر ولم نسمع أن قوما من اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله فكيف أخبر الله تعالى عنهم بذلك؟
قلنا : المراد بقولهم أبناء الله خاصة الله ، كما يقال أبناء الدنيا وأبناء الآخرة.
وقيل : فيه إضمار تقديره : أبناء أنبياء الله.