[٢٢١] فإن قيل : كيف يصح الاحتجاج عليهم بقوله تعالى : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : ١٨] مع أنهم ينكرون تعذيبهم بذنوبهم ، ويدعون أن ما يذنبون بالنهار يغفر بالليل ، وما يذنبون بالليل يغفر بالنهار.
قلنا : هم كانوا مقرين أنه يعذبهم أربعين يوما وهي مدة عبادتهم العجل ، في غيبة موسى عليهالسلام لميقات ربه ؛ ولذلك قالوا : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠].
وقيل : أراد به العذاب الذي أوقعه ببعضهم في الدنيا من مسخهم قردة كما فعل بأصحاب السبت ، وخسف الأرض كما فعل بقارون ، وهذا لا ينكرونه ، وعلى هذا الوجه يكون المضارع بمعنى الماضي في قوله : (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ) [المائدة : ١٨] والإضافة إليهم بمعنى الإضافة إلى آبائهم ، كأنه قال : فلم عذب آباءكم.
[٢٢٢] فإن قيل : قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [المائدة : ١٨] إن أريد به يغفر لمن يشاء منكم أيها اليهود والنصارى ، ويعذب من يشاء يلزم جواز المغفرة لهم وأنه غير جائز لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] وإن أريد به يغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب من يشاء لا يصلح جوابا لقولهم.
قلنا : المراد به يغفر لمن يشاء منهم إذا تاب من الكفر. وقيل : يغفر لمن يشاء ممن خلق وهم المؤمنون ، ويعذب من يشاء وهم المشركون.
[٢٢٣] فإن قيل : كيف قيل : (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) [المائدة : ٢٠] ولم يكن قوم موسى عليهالسلام ملوكا؟
قلنا : المراد جعل فيكم ملوكا ، وهم ملوك بني إسرائيل ، وهم اثنا عشر ملكا ، لاثني عشر سبطا ، لكل سبط ملك.
وقيل : المراد به أنه رزقهم الصحّة ، والكفاية ، والزوجة الموافقة ، والخادم ، والبيت ، فسماهم ملوكا لذلك.
وقيل : المراد به أنه رزقهم المنازل الواسعة التي فيها المياه الجارية.
[٢٢٤] فإن قيل : من أين علم الرجلان أنهم الغالبون ، حتى قالا : (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) [المائدة : ٢٣]؟
قلنا : من جهة وثوقهم بإخبار موسى صلىاللهعليهوسلم بذلك بقوله : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٢١].
وقيل : علما ذلك بغلبة الظن ، وما عهداه من صنع الله تعالى بموسى عليه الصلاة والسلام في قهر أعدائه.