[٢٢٤ م] فإن قيل : قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة : ٢٣] يدل على أن من لم يتوكل على الله لا يكون مؤمنا وإلا لضاع التعليق وليس كذلك.
قلنا : «إن» هنا بمعنى إذ ، فتكون بمعنى التعليل ، كما في قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٧٨].
[٢٢٥] فإن قيل : كيف التوفيق بين قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٢١] وبين قوله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٢٦].
قلنا : معناه كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها ، فلما أبوا الجهاد قيل : فإنها محرمة عليهم.
الثاني : أن كل واحد منهما عام أريد به الخاص ، فالكتابة للبعض وهم المطيعون ، والتحريم على البعض وهم العاصون.
الثالث : أن التحريم موقت بأربعين سنة والكتابة غير موقتة ، فيكون المعنى أن بعد مضي الأربعين يكون لهم. وهذا الجواب تام على قول من نصب الأربعين بمحرمة وجعلها ظرفا ؛ فأمّا من جعل الأربعين ظرفا لقوله : (يَتِيهُونَ) [المائدة : ٢٦] مقدما عليه فإنه جعل التحريم مؤبدا فلا يتأتى على قوله هذا الجواب ؛ لأن التقدير عنده : فإنها محرمة عليهم أبدا ، يتيهون في الأرض أربعين سنة ؛ وهو موضع قد اختلف فيه المفسرون ، والفرّاء من جملة من جوّز نصب الأربعين بمحرمة ويتيهون ؛ والزّجّاج من جملة من منع جواز نصبه بمحرمة ، ونقل أن التحريم كان مؤبدا ، وأنّهم لم يدخلوها بعد الأربعين ، ونقل غيره أنه دخلها بعد الأربعين من بقي منهم وذرية من مات منهم.
ويعضد الوجه الأوّل كون الغالب في الاستعمال تقدّم الفعل على الظرف الذي هو عدد لا تأخّره عنه ، يقال : سافر زيد أربعين يوما وما أشبه ذلك ، وقلما يقال على العكس.
[٢٢٦] فإن قيل : كيف قال : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) [المائدة : ٢٧] ولم يقل قربانين ؛ لأنّ كل واحد منهما قرّب قربانا؟
__________________
[٢٢٦] البيت بتمامه :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّارا بها لغريب |
وهو من قصيدة لضابئ بن الحارث البرجميّ قالها حين حبسه عثمان بن عفان في المدينة. وقيّار اسم جمل الشاعر ، وقيل : اسم فرسه. وقد جاء عند الرّازي مرفوعا وهي رواية أخرى للبيت. والوجه في الرفع على مذهب الكسائي ضعف إنّ أما الفرّاء فالوجه فيه عنده عطفه على اسم مكنى عنه ، والمكنى لا تظهر فيه علامة الرفع.
والبيت من شواهد الكتاب ١ / ٨. وهو في خزانة الأدب ٤ / ٣٢٣.