قلنا : أراد به الجنس فعبّر عنه بلفظ الفرد ، كقوله تعالى : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧].
الثاني : أن العرب تطلق الواحد وتريد الاثنين ، وعليه جاء قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧]. وقال الشاعر :
فإنّي وقيار بها لغريب
تقديره : فإني بها لغريب وقيار كذلك ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) [البقرة : ٦٢] الآية. وقيل : إنما أفرده لأن فعيلا يستوي فيه الواحد والمثنّى والمجموع.
[٢٢٧] فإن قيل : كيف صلح قوله : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧] جوابا لقوله : (لَأَقْتُلَنَّكَ) [المائدة : ٢٧]؟
قلنا : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له ذلك كناية عن حقيقة الجواب وتعريضا ، معناه إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا منّي فلم تقتلني؟
[٢٢٨] فإن قيل : كيف قال هابيل لقابيل : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) [المائدة : ٢٩] ، أي تنصرف بهما ؛ مع أن إرادة السوء والوقوع في المعصية للأجنبي حرام ، فكيف للأخ؟
قلنا : فيه إضمار حرف النفي تقديره : إنّي أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك ، كما في قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النمل : ١٥] ، أي أن لا تميد بكم ، وقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥] ، وقول امرئ القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
الثاني : أن فيه حذف مضاف تقديره : إني أريد انتفاء أن تبوء بإثمي وإثمك ، كما في قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ، أي حبّ العجل.
الثالث : أن معناه ، إنّي أريد ذلك إن قتلتني لا مطلقا.
الرابع : أنه كان ظالما ، وجزاء الظالم تحسن إرادته من الله تعالى فتحسن من العبد أيضا.
__________________
[٢٢٨] تمام البيت :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي |
وهو من قصائد ديوانه : ٣٢.