[٢٢٩] فإن قيل : قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة : ٣١] ، يدل على أنّ قابيل كان تائبا ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «الندم توبة» ؛ فلا يستحق النار.
قلنا : لم يكن ندمه على قتل أخيه ؛ بل على حمله على عنقه سنة ، أو على عدم اهتدائه إلى الدفن الذي تعلّمه من الغراب ، أو على فقد أخيه لا على المعصية ، ولو سلمنا أن ندمه كان على قتل أخيه ، ولكن يجوز أن الندم لم يكن توبة في شريعتهم ، بل في شريعتنا ، أو نقول : التّوبة تؤثر في حقوق الله تعالى لا في حقوق العباد ، والدّم من حقوق العباد ، فلا تؤثر فيه التّوبة.
[٢٣٠] فإن قيل : كيف يكون قتل الواحد كقتل الكل ، وإحياء الواحد كإحياء الكل والدليل يأباه من وجهين :
أحدهما : أن الجناية كلما تعددت وكثرت كانت أقبح فتناسب زيادة الإثم والعقوبة ، هذا هو مقتضى العقل والحكمة.
الثاني : أن المراد بهذا التشبيه إما أن يكون تساوي قتل الواحد والكل في الإثم والعقوبة ، أو تقاربهما ، وإنما كان يلزم منه أنه إذا قتل الثاني أو الثالث وهلم جرا أن لا يكون عليه إثم آخر ، ولا يستحق عقوبة أخرى ؛ لأنه أثم إثم قتل الكل ، واستحق عقوبة قتل الكل بمجرد قتل الأول ، أو الأول والثاني ؛ لأن قتل الواحد إذا كان يساوي قتل الكل أو يقاربه ، فقتل الاثنين يجعل عليه إثم قتل الكل وعقوبة قتل الكل ؛ فكيف يزداد بعد ذلك بقتل الثالث والرابع وهلم جرا ، ولو قتل الكل لما ازداد عن قتل الكل وعقوبة قتل الكل ، ولا يجوز أن يستحق بقتل الواحد أو الاثنين إثم قتل الكل ، وبقتل الكل إثم قتل الكل! قلنا : أقرب ما قيل فيه أن المراد من قتل نفسا واحدة بغير حقّ كان جميع الناس خصومه في الدنيا إن لم يكن له ولي ، وفي الآخرة مطلقا ، لأنهم من أب وأم واحدة.
وقيل : معناه من قتل نفسا نبيا وإماما عادلا فهو كمن قتل الناس جميعا من حيث إبطال المنفعة على الكل ؛ لأن منفعتهما عامة للكل.
وقيل : المراد بمن قتل هو قابيل ، فإن عليه من الإثم بمنزلة إثم قتل الكل ؛ لأنه أول من سن القتل ؛ فكل قتل يوجد بعده يلحقه شيء من وزره بغلبة التسبب ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «من سنّ سنّة حسنة» الحديث ؛ وهذا أحسن في المعنى ؛ ولكن اللفظ لا يساعد عليه ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما) [المائدة : ٣٢] ؛ لأنّ هذا المعنى إذا أريد به قابيل لا تختص كتابته ببني إسرائيل.
__________________
[٢٢٩] الحديث أخرجه أحمد في مسنده : ١ / ٣٧٦.
[٢٣٠] الحديث أخرجه مسلم في باب الزكاة ، حديث ١٠١٧ ، وأحمد في مسنده : ٤ / ٣٦٢.