[٢٣١] فإن قيل : كيف وجه قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣] الآية ، وحقيقة المحاربة بين العبد والرب ممتنعة؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : يحاربون أولياء الله. وقيل : أراد بالمحاربة المخالفة.
[٢٣٢] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) [المائدة : ٣٦] ولم يقل بهما ، والمذكور شيئان؟
قلنا : قد سبق جواب مثله قبيل هذا في قوله : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) [المائدة : ٢٧] ، وهنا جواب آخر وهو أن يكون وضع الضمير موضع اسم الإشارة كأنه قال ليفتدوا بذلك ، وذلك يشار به إلى الواحد والاثنين والجمع.
[٢٣٣] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) [المائدة : ٤٢] وحال النبي عليه الصلاة والسلام مع أهل الكتاب لا يخلو عن هذين القسمين ؛ لأنه إما أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم؟
قلنا : فائدته تخيير النبي ، عليه الصلاة والسلام ، بين الحكم بينهم وعدمه ، ليعلم أنه لا يجب عليه أن يحكم بينهم كما يجب عليه ذلك بين المسلمين إذا تحاكموا إليه ؛ وقيل : إن هذا التخيير منسوخ بقوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٨] وهو القرآن يدل عليه أول الآية (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) [المائدة : ٤٨] في الحكم بالتوراة.
[٢٣٤] فإن قيل : لما أنزل الله القرآن صار الإنجيل منسوخا به ، فكيف قال : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [المائدة : ٤٧]؟
قلنا : هو عام مخصوص ، أي ما أنزل الله فيه من صدق نبوة محمد ، عليه الصلاة والسلام ، بعلاماته المذكورة في الإنجيل ، وذلك غير منسوخ.
[٢٣٥] فإن قيل : كيف قال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) [المائدة : ٤٩] ؛ مع أن الكفار معاقبون بكل ذنوبهم؟
قلنا : أراد به عقوبتهم في الدنيا ، وهو ما عجله من إجلاء بني النضير وقيل بني قريظة وذلك جزاء بعض ذنوبهم لأنه جزاء منقطع ، وأما جزاؤهم على شركهم فهو جزاء دائم لا يتصور وجوده في الدنيا.
وقيل : أراد بذلك البعض ذنب التولي عن الرضا بحكم القرآن ، وإنما أبهمه تفخيما له وتعظيما.
[٢٣٦] فإن قيل : حسن حكم الله وصحته أمر ثابت على العموم بالنسبة إلى الموقنين وغير الموقنين ، فكيف قال : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة : ٥٠]؟