قلنا : لما كان الموقنون أكثر انتفاعا به من غيرهم ، بل هم المنتفعون به في الحقيقة لا غير كانوا أخص به ، فأضيف إليهم لذلك ، ونظيره : قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥].
[٢٣٧] فإن قيل : قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة : ٥١] يقتضي أن يكون من وادّ أهل الكتاب وصادقهم كافرا وليس كذلك لقوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) [الممتحنة : ٨] الآية.
قلنا : المراد بقوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) [المائدة : ٥١] المنافقون ، لأنها نزلت في شأنهم وهم كانوا من الكفار في الدنيا ضميرا واعتقادا ، ومعناه أنه منهم في الآخرة جزاء وعقابه أشد.
[٢٣٨] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة : ٥١] ، وكم من ظالم هداه الله تعالى فتاب وأقلع عن ظلمه؟
قلنا : معناه لا يهديهم ما داموا مقيمين على ظلمهم.
الثاني : أن معناه : لا يهدي من قضى في سابق علمه أنه يموت ضالا.
الثالث : أن معناه : لا يهدي القوم الظالمين يوم القيامة إلى طريق الجنة ، أي المشركين.
[٢٣٩] فإن قيل : كيف قال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [المائدة : ٥٤] ولم يقل أذلة للمؤمنين ، وإنما يقال ذل له لا ذل عليه؟
قلنا : لأنه ضمن الذل معنى الحنوّ والعطف فعدّاه تعدّيته ، كأنه قال : حانين على المؤمنين عاطفين عليهم.
[٢٤٠] فإن قيل : كيف قال : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [المائدة : ٥٦] وكم مرة غلب حزب الله تعالى في زمن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وبعده إلى يومنا هذا؟
قلنا : المراد به الغلبة بالحجة والبرهان لا بالدولة والصولة ، وحزب الله هم المؤمنون غالبون بالحجة أبدا.
[٢٤١] فإن قيل : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف قال : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) [المائدة : ٦٠] الآية؟
قلنا : لا نسلم أن الثواب والمثوبة مختص بالإحسان ؛ بل هو الجزاء مطلقا بدليل قوله تعالى : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المطففين : ٣٦] ، أي هل جوزوا ، وقوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) [آل عمران : ١٥٣] وهو كلفظ البشارة لا اختصاص له