لغة بالخبر السار ؛ بل هو عام شامل للشر ؛ قال الله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١].
[٢٤٢] فإن قيل : ما فائدة إرسال الكتاب والرسول إلى أولئك الكثيرين الذين قال في حقهم : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) [المائدة : ٦٤]؟
قلنا : فائدته إلزام الحجة عليهم.
الثاني : تبجيل الكتاب والرسول فإنّ الخطاب بالكتاب إذا كان عامّا ، والرّسول إذا كان مرسلا إلى الخلق كلهم ، كان ذلك أفخم وأعظم للرسول والمرسل.
[٢٤٣] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [المائدة : ٦٦] الآية ، يقتضي تعلق الرخاء وسعة الرزق بالإيمان بالكتاب والعمل بما فيه ، وليس كذلك ، فإن كثيرا من المؤمنين بالكتب الأربعة العاملين بما فيها ممّا لم ينسخ ، عيشهم في الدنيا منكد ، ورزقهم مضيّق.
قلنا : هذا التعليق خاص في حقّ أهل الكتاب ؛ لأنهم اشتكوا من ضيق الرزق حتى قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] فأخبرهم الله تعالى أن ذلك التضييق عقوبة لهم بشؤم معاصيهم وكفرهم ، والله تعالى يجعل ضيق الرزق وتقديره نعمة في حق بعض عباده ، ونقمة في حقّ بعضهم وكذلك الرخاء والسعة فيعاقب بهما على المعصية ، ويثيب بهما على الطاعة ، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الأشخاص ، فلا يلزم من توسيع الرزق الإكرام. ولا من تضييقه الإهانة ولا يلزم عكسه أيضا ، ولهذا رد الله تعالى ذلك بقوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) [الفجر : ١٥] إلى قوله تعالى : (كَلَّا) [الفجر : ١٧] ، أي ليس الأمر كما ظن الإنسان وزعم من أن توسيع الرزق دليل الكرامة وتضييقه دليل الإهانة ، بل دليل الكرامة هو الهداية والتوفيق للطاعات ، ودليل الإهانة هو الإضلال وحرمة التوفيق.
[٢٤٤] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة : ٦٧] ومعلوم أنه إذا لم يبلغ المنزل إليه لم يكن قد بلّغ الرسالة؟
__________________
[٢٤٤] ـ قول المصنف في الجواب : «المراد حثه على تبليغ ما أنزل عليه من معايب اليهود ومثالبهم».
كتفسير للآية أو كبيان لسبب نزولها مخالف لما هو معروف مشهور عند جمهور المفسرين ، وهو أنها نزلت حين قفل النبي صلىاللهعليهوسلم من حجة الوداع. وفي حدود هذا التاريخ كان القرآن مملوءا بذكر معايب اليهود ومثالبهم ، فأي معايب لهم بعد ليكون عدم تبليغها وإظهارها ـ وقد نصر الله المسلمين وأعزهم ـ مساوقا لعدم تبليغ الرسالة جملة؟! يراجع في ذلك تفسير الآية عند الفخر الرازي ، وابن كثير والسيوطي في الدّر المنثور ، وغيرهم.