ذكرهم تماما ؛ نخصّ بالذّكر منهم ، هنا ، القاضي عبد الجبّار الذي صنّف في معاني القرآن ومشكلاته كتابين ، هما : «متشابه القرآن» و «تنزيه القرآن عن المطاعن» ، والشريف المرتضى صاحب «غرر الفوائد ودرر القلائد» الذي يعرف بأمالي المرتضى ، وهي عبارة عن مجالس ألقاها حين قفل من الحج. غير أن الأهم من هذا وذاك ، فيما نحسب ، هو كتاب الشريف الرضي المسمى «حقائق التأويل في متشابه التنزيل» الذي لم يطبع منه سوى الجزء الخامس ، أما باقي أجزاء هذا الكتاب الرّائع فهي مفقودة أو مجهولة المكان ، في حدود اطلاعي. وما يعنينا من ذكر كتاب الرضي هنا ، هو الشبه الكبير الذي نجده بينه وبين كتاب الرّازي الذي بين يدي القارئ ، ولعل أهم أوجه الشبه هي :
ـ وحدة الغرض من التصنيف ...
ـ اتفاق الكتابين في الشكل ، حيث ينقسم الكتابان إلى فقرات ، تتكفل كل فقرة بعرض المسألة (المشكلة) أو السؤال ، ثم يردفه بالجواب ، وطريقة الشريف الرضي ، في ذلك ، أن يعرض المسألة أو الإشكال مبتدءا بالقول : «ومن سأل عن معنى قوله تعالى ...» ، ثم يأتي بالجواب ، معدّدا الوجوه فيه ، بقوله : «فالجواب ...» ، وهكذا دواليك. أما الرّازي فإنه يعرض المسألة بقوله : «فإن قيل ...» ، ثم يتبعها الجواب مستهلا إياه بقوله : «قلنا ...» على نسق واحد ، من بداية الكتاب إلى نهايته.
ـ تشابه كثير من المسائل وأجوبتها ... أو بعض وجوه أجوبتها.
غير أن هناك أكثر من فرق بين الكتابين (كتاب الرضي وكتاب الرّازي). منها : أن الرضي سعى إلى استقصاء الأقوال ، وجمع شتات الآراء ، أمّا الرّازي فديدنه الانتقاء والاختصار. ومنها : أن المسحة الأدبية في إنشاء الرضي واضحة ، في حين أن أسلوب الرّازي ينحو نحو البساطة ، وخال من الاعتناء بجمال اللّغة.
لم يكن الغرض من هذا الاستطراد استيعاب وجوه المقارنة بين الكتابين ؛ بل التنويه بأثر كبير ، ولفت نظر المهتمين إليه (أعني كتاب الرضي).
يبقى أن كتاب الرّازي يكاد يتفرد بميزة نكاد لا نجدها في غيره من الكتب التي صنفت في بيان معاني القرآن وحل مشكلاته ، وهي كثرة المسائل التي يعالجها ـ على صغر حجمه ـ وهي تزيد على مائتي وألف سؤال ، وسهولة عبارته ، وإيجازه ؛ إضافة إلى وضوحه ؛ بحيث يكون في متناول فهم أكبر عدد من القراء ، سواء في ذلك العالم والمتعلم ، أما المسائل الدقيقة التي تتعلق بوجوه الإعراب أو المعاني ، وكثير من النكات البلاغية ، فإن الرّازي قد تجنب غالبا الخوض فيها. وقد صرح هو نفسه ـ في مقدمة الكتاب ـ بالمنهج الذي اختطه ، والغاية التي رامها ؛ حيث قال : «ولكنّي قصدت اختصار هذا الأنموذج [من أسئلة القرآن] ، وتقريبه إلى الأفهام ، ليكثر الانتفاع به ، ولا