الدنيا دون ذلك ، كان كالعدم بالنسبة إلى نفعه في الآخرة فلم يقيد به في مقابلته.
[٢٦٨] فإن قيل : قوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] إن أراد به صدقهم في الآخرة فالآخرة ليست بدار عمل ، وإن أراد به صدقهم في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه ، وهو الشهادة لعيسى عليهالسلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة؟
قلنا : أراد به الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم وعن قتادة رحمهالله : متكلمان صدقا يوم القيامة ، فنفع أحدهما صدقه دون الآخر : أحدهما إبليس قال : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] الآية ، وصدق يومئذ فلم ينفعه صدقه ؛ لأنه كان كاذبا قبل ذلك. والآخر عيسى عليهالسلام كان صادقا في الدنيا والآخرة فنفعه صدقه.
[٢٦٩] فإن قيل : ما في السموات والأرض العقلاء وغيرهم ، فهلّا غلّب العقلاء فقال : لله ملك السموات والأرض ومن فيهن؟
قلنا : لأن كلمة «ما» تتناول الأجناس كلها تناولا عامّا بأصل الوضع و «من» لا تتناول غير العقلاء بأصل الوضع ، فكان استعمالا «ما» في هذا الموضع أوفى.
__________________
[٢٦٨] قتادة : هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز ، أبو الخطّاب السدوسي ، البصري. ولد سنة ٦١ ه وتوفي بواسط سنة ١١٨ ه. كان ضريرا ، حافظا للحديث ومفردات اللغة وتاريخ العرب وأنسابها ، ومفسّرا للقرآن. وأخذ عليه تدليسه في الحديث ، وقوله بالقدر.