الخاص لما كان مخصوصا بمزيد قبح من بين أنواع الافتراء خصّه بالذكر تنبيها على مزيد العقاب فيه والإثم.
[٢٩٢] فإن قيل : قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٠١] الآية ، ما فائدة قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] بعد قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١]؟
قلنا : ذكره أولا استدلالا به على نفي الولد ، ثم ذكره ثانيا توطئة وتمهيدا لقوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ) [المائدة : ٢٠١] فإن كونه خالق كل شيء يقتضي تخصيصه بالعبادة والطاعة ، فكانت الإعادة لفائدة جديدة.
[٢٩٣] فإن قيل : في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] كيف خص الأبصار بإدراكه لها ولم يقل وهو يدرك كل شيء مع أنه أبلغ في التمدح؟
قلنا : لوجهين :
أحدهما : مراعاة المقابلة اللفظية فإنه نوع من البلاغة.
الثاني : أن هذه الصفة خاصة بينه وبين الأبصار أنه يدركها ، بمعنى الإحاطة بها وهي لا تدركه ، فأما غيره مما يدرك الأبصار فهي تدركه أيضا ، فلهذا خصّها بالذّكر.
[٢٩٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) [الأنعام : ١١٤] ولم يقل وهو الذي أنزل إليّ ؛ مع أن الله تعالى قال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) [المائدة : ٨].
قلنا : لما كان إنزاله إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ليبلغه إلى الخلق ، ويهديهم به ، كان في الحقيقة منزلا إليهم ، لكن بواسطة النبيّ صلىاللهعليهوسلم فصلح إضافة الإنزال إليه وإليهم.
[٢٩٥] فإن قيل : في قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ١١٨] كيف علّق الكون من المؤمنين بأكل الذبيحة المسمّى عليها ، والكون من المؤمنين حاصل وإن لم تؤكل الذّبيحة أصلا؟
قلنا : المراد اعتقاد الحل لا نفس الأكل ؛ فإن بعض من كان يعتقد حلّ الميتة من العرب كان يعتقد حرمة الذبيحة.
[٢٩٦] فإن قيل : كيف أبهم فاعل التزيين هنا ، فقال : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٢٢] وقال في آية أخرى (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٤] ، وقال في آية أخرى (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٢٤] فمن هو مزين الأعمال للكفار في الحقيقة؟