الثاني : أن التخصيص لمجموع الحكمين وهما النهي عن قربانه بغير الأحسن ، ووجوب قربانه بالأحسن ، أو جواز قربانه بالأحسن بغير إذن مالكه ؛ ومجموع الحكمين مختص بمال اليتيم ، وهذا هو الجواب عن كونه مغيّا ببلوغ الأشد ؛ لأن المجموع ينتفي ببلوغ الأشد لانتفاء الحكم الثاني. وقيل إن الغاية لمحذوف تقديره : حتّى يبلغ فسلموه إليه.
[٣٠٧] فإن قيل : كيف خص العدل بالقول فقال : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام : ١٥٢] ولم يقل : وإذا فعلتم فاعدلوا ، والحاجة إلى العدل في الفعل أمس ؛ لأن الضرر الناشئ من الجور الفعلي أقوى من الضرر الناشئ من الجور القولي؟
قلنا : إنما خصه بالقول ليعلم وجوب العدل في الفعل بالطريق الأولى كما قال تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] ولم يقل : ولا تشتمهما ولا تضربهما لما قلنا.
[٣٠٨] فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] وبين قوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، وقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥] وقد جاء في الحديث المشهور : «من عمل سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
قلنا : المراد بالآية الأولى وزر لا يكون مضافا إليها بمباشرة أو تسبب لتحقيق إضافته إلى غيرها على الكمال ، أما إذا لم يكن كذلك فهو وزرها من وجه فتزره.
وقيل معناه : لا تزره طوعا كما زعم المشركون بقولهم للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : ارجع إلى ديننا ونحن كفلاء بما يلحقك من تبعة في دينك. وقول الذين كفروا للذين آمنوا : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] إلى قوله تعالى : (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت : ١٣] ومعنى باقي النّصوص أنّنا نحمله كرها فلا تنافي بينهما.