وسأحاول بعون الله أن أصوغ تعريفا لمعنى الوجه القرآني المعجز ، وذلك من مجموع ما قرأت وأجلت النظر في كتب علماء البلاغة والبيان والتفسير وعلوم القرآن ، ومن خلال ما قد استقرّ في ذهني من تصور للأبعاد والمسالك التي سلكها علماء المسلمين ، وهم يحاولون تقرير وجوه القرآن وكذلك من خلال المرتكزات والقواعد التي نهضوا عليها وهم يشيّدون صرح هذه الوجوه الشامخة بأدلة وبراهين تثبت ما ذهبوا إليه من جهة ، وتدحض شبهات المعاندين من جهة أخرى.
فالوجه القرآني المعجز هو : كل صفة في أسلوب القرآن أو لفظه أو معناه قد ندت عن قدرة البشر ، فعجزوا عن الإتيان بمثلها.
والذي أعنيه بهذا التعريف ، أن الصفة القرآنية الواحدة قد ينضوي تحت إطارها مجموعة من إعجازات القرآن التي أعلن البشر عجزهم عن مجاراتها ، وهذه المجموعة يربطها رابط واحد مشترك يجعلها تندرج تحت هذه الصفة العامة ، ليصدق عليها اسم وجه القرآن المعجز ...
ولكي أوضح ما أردته من هذا التعريف أضرب مثالا على ذلك : الأخبار الغيبية التي وردت في القرآن الكريم ، سواء ما كان منها ماضيا أو مستقبليا ، فإن هذه الأخبار كلها يربطها رابط واحد ألا وهو «الغيب» وبناء على ذلك فإنها تكون وجها واحدا ، لا وجهين كما قسمهما كثير من العلماء القدامى والمعاصرين ، فجعلوا الغيب الماضي وجها ، والغيب المستقبلي وجها آخر ، والحق أن الغيب بمجمله يعتبر وجها واحدا ، لأنه يشترك في وحدة الموضوع ، وذات المقصود ، ومجموع ما أخبر عنه القرآن من أخبار غيبية ، في الماضي والحاضر والمستقبل نعتبرها وجها واحدا ، لأنها تندرج كلها تحت صفة واحدة ألا وهي «الإخبار بالمغيبات» ولم أجد فيما وقفت عليه من مصادر ومراجع للعلماء القدامى الذين أفاضوا الحديث عن إعجاز القرآن ووجوهه ولو تعريفا واحدا لمعنى الوجه ، إذ بالتعريف يتسنّى لنا أن نحدد الضوابط والقيود للقضية المطروحة ...
وبناء على هذا فإننا نستطيع الآن أن نثبت وجوه إعجاز القرآن كحد وسط بين الذين أكثروا وأسهبوا في ذكر الوجه ، حتى خرجوا عن معنى الوجه القرآني إلى غيره ، وبين الذين أقلوا في ذكر الوجوه حتى أغفلوا أهمها وأبرزها ... وهي كما يلي :