وجود الميكروب وتأثيره كالجدري وغيره من المرض والقرآن يقول (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (١) أي متتابعة مجتمعة ، (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٢) أي من طين المستنقعات اليابس إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المحققة لبعض مكتشفات علم الهيئة والنواميس الطبيعية ، وبالقياس على ما تقدم ذكره يقتضى أن كثيرا من آياته سينكشف سرها في المستقبل في وقتها المرهون ، تجديدا لإعجازه ما دام الزمان) (٣).
(وإذا كان لنا من تعليق على قوله فإننا نقول : إنه قد تأثر بهذا اللون من التفسير تأثّرا كبيرا حتى وصل به الأمر إلى حد الإفراط والمغالاة ، وبسبب ذلك صار يتلمس لكل نظرية نصا من القرآن مدعيا أن هذا وجه من وجوه صدقه ودلائل إعجازه العلمي بعد أن اقتصر علماء السلف على حد قوله على أن فصاحته وبلاغته هي سبب إعجازه ، فانظر إلى استدلاله على أن القمر منشق من الأرض بقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) فإن هذا المعنى المزعوم لا تدل عليه أي من الآيتين ، وهو معنى بعيد كل البعد عن معناهما ، بالإضافة إلى أنه قد يستدل ببعض آية تاركا ما قبلها وما بعده) (٤). هذان من أبرز من تناول تفسير القرآن بمغالاة ، وهناك غيرهما كثير مثل عبد العزيز إسماعيل في كتابه «الإسلام والطب الحديث» وعبد الرزاق نوفل في عدة كتب له ، ومن أخطر وأجرأ من تعسف في هذا الصدد هو طنطاوي جوهري في تفسيره «الجواهر» الذي جاء في خمسة وعشرين جزءا ، والذي يتحدث فيه : (لقد وضعت في هذا التفسير ما يحتاجه المسلم من الأحكام والأخلاق وعجائب الكون وأثبت فيه غرائب العلوم ، وعجائب الخلق ، مما يشوق المسلمين والمسلمات إلى الوقوف على حقائق معاني الآيات البينات في الحيوان والنبات والأرض والسموات ولتعلمنّ أيها الفطن أن هذا التفسير نفحة ربانية ، وإشارة قدسية ، وبشارة رمزية ، وأمرت به بطريق الإلهام ، وأيقنت أن له شأنا سيعرفه الخلق ، وسيكون من أهم أسباب رقيّ المستضعفين في الأرض) (٥).
يقول فيه الدكتور حسين الذهبي : (ونجده يضع لنا في تفسيره كثيرا من صور النباتات
__________________
(١) سورة الفيل ، الآية : ٣.
(٢) سورة الفيل ، الآية : ٤.
(٣) انظر : طبائع الاستبداد ، للكواكبي ، ص ٤٨ ـ ٤٩.
(٤) التفسير العلمي للقرآن ، أحمد عمر أبو حجر ، ص ١٩٢.
(٥) الجواهر في تفسير القرآن الكريم ، طنطاوي جوهري ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الرابعة ، ١٤١٢ ه / ١٩٩١ ، ١ / ٣.