العلمي في القرآن ، لكننا نجده عند ما يفسر قول الله تعالى : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) (١) نجده يقول ما نصه : (وهنا يقف الإنسان مدهوشا أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا بعد تقدم علم الأجنة التشريحي ، ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم ، وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تتكون أولا في الجنين ، وهي الحقيقة التي يسجلها النص القرآني (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) فسبحان العليم الخبير) (٢).
وكم وبخ محمد رشيد رضا ، ـ كما رأينا ـ الذين يؤيّدون الإعجاز العلمي ، ولو رجعنا إلى تفسيره فلسوف نجده مولعا بتفسير الآيات تفسيرا علميا!.
ففي بيان الحق سبحانه تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣) يقول :
١ ـ إن المادة التي خلقت منها السموات والأرض كانت دخانا ، أي مثل الدخان.
٢ ـ إن هذه المادة الدخانية كانت واحدة فتق الله رتقها ، أي فصل بعضها من بعض ، فخلق منها هذه الأرض والسموات السبع العلى.
٣ ـ إن خلق الأرض كان في يومين ، وتكون اليابسة والجبال الرواسي فيهما ، ومصادر القوت ، وهي أنواع النبات والحيوان في يومين آخرين تتمة أربعة أيام.
٤ ـ إن جميع الأحياء النباتية والحيوانية خلقت من الماء.
فيعلم من هذا أن اليوم الأول من أيام خلق الأرض هو الزمن الذي كانت فيه كالدخان حين فتقت من رتق المادة العامة التي خلق منها كل شيء مباشرة ، أو غير مباشرة ، وإن اليوم الثاني هو الزمن الذي كانت فيه مائية بعد أن كانت بخارية أو دخانية ، وإن اليوم الثالث هو الزمن الذي تكونت فيه اليابسة ، ونتأت منها الرواسي فتماسكت بها ، وإن اليوم الرابع هو الزمن الذي ظهرت فيه أجناس الأحياء من الماء وهي النبات والحيوان ، فهذه أزمنة الأطوار من الخلق قد تكون متداخلة وأما السماء العامة ، وهي
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآية : ١٤.
(٢) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٤ / ٢٤٥٩.
(٣) سورة الأعراف ، الآية : ٥٤.