العالم العلوي بالنسبة إلى أهل الأرض فقد سوى أجرامها من مادتها الدخانية في يومين أي : زمنين كالزمنين اللذين خلق منهما جرم الأرض.
ثم يقول : هذا التفصيل الذي يؤخذ من مجموع الآيات يتفق مع المختار عند علماء الكون في هذا العصر ، من أن المادة التي خلقت منها هذه الأجرام السماوية ، وهذه الأرض كانت كالدخان ويسمونها «السديم» (١) وكانت مادة واحدة رتقا ، ثم انفصل بعضها عن بعض ، ويصورون ذلك تصويرا مستنبطا مما عرفوا من سنن الخلق ، إذا صح كان بيانا لما أجمل في الآيات ، وإذا لم يصح كله أو بعضه لم يكن ناقصا لشيء منها ، فهم يقولون : إن تلك المادة السديمية كانت مؤلفة من أجزاء دقيقة متحركة ، وأنها قد تجمع بعضها ، وانجذب إلى بعض ، بمقتضى سنة الجاذبية العامة ، فكان منها كرة عظيمة تدور على محور نفسها ، وأن شدة الحركة أحدثت فيها اشتعالا فكانت ضياء ، أي نورا ذا حرارة ، وهذه الكرة الأولى من عالمنا هي التي نسميها الشمس ، ويقولون أيضا : إن الكواكب الدراري التابعة لهذه الشمس فيما نشاهد من نظام عالمنا هذا قد انفتقت من رتقها ، وانفصلت من جرمها وصارت تدور على محاورها مثلها ، ومنها أرضنا هذه فقد كانت مشتعلة مثلها ... وبعد استطراد في ذكر المسائل العلمية يختم كلامه قائلا : كل ذلك تفصيل لخلق العوالم أطوارا بسنن ثابتة وتقدير منظم لم يكن منه شيء جزافا ، وقد أرشد الكتاب الحكيم إلى هذه الحقائق العامة الثابتة في نفسها وإن لم يثبت كل ما قالوه من فروعها ومسائلها) (٢).
إذا ، يتحتّم على الإنسان عند تفسيره لآية كونية أن يفسرها حسب ما يقتضيه حالها ، والجو القرآني الذي سيقت فيه ، وإلا فسيكون تفسيرها بعيدا عن هدفها ومقصدها ...
إن هذه اللغة ، لغة العلم هي الرابط المشترك بين الناس جميعا ، فلا يستطيع أحد أن ينكرها ، ومن أجل تحقيق أهداف الدعوة ونجاحها كان لا بد أن نسلك منهج العلم في زمن العلم ، ونخاطب الناس باللغة التي يفهمون واللهجة التي يعرفون ...
__________________
(١) السدم ، nebulak ، وهي عبارة عن لطع مضيئة منتشرة في عدة أماكن من رقعة السماء على شكل سحب ، غازية التكوين. انظر : الموسوعة الفلكية ، زينب منصور ، عمان ، الأهلية للنشر ، الطبعة الأولى ، ٢٠٠١ ، ص ٢١ ، وانظر : المحيط الكوني وأسراره ، نجيب زبيب ، بيروت ، دار الأمير ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه / ١٩٩٤ ، ص ٤١١.
(٢) تفسير المنار ، رشيد رضا ، ٨ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.