رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه ، فسمّاه سماء ، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين) (١).
(فالكلمتان «دحاها ـ طحاها» تدلان على معنى البسط ، دحا الأرض يدحوها ، بسطها ، قال شمّر : فأنشدتني أعرابية : الحمد لله الذي أطاقا بنى السماء فوقنا طباقا ثم دحا الأرض فما أضاقا والأدحوّة ، مبيض النعام في الرمل ... ومدحى النعام ، موضع بيضها) (٢).
هذه هي مراحل الخلق حسب معطيات القرآن الكريم ودلائله ، ولا شك أن هذا التفصيل لمراحل خلق الكون عسير على العلم بل من المستحيل أن يصل إليه ، لأنه من المغيبات التي لا تخضع لمدركات الإنسان ، لكن يمكن للعلم أن يصل إلى حقائق كونية ثابتة عن أصل الكون والخلق ، لكنها مجملة وليست مفصلة بهذه الدقة القرآنية العجيبة ، والدليل على ذلك أنهم حقا توصلوا إلى حقائق علمية تدل على أصل الكون ومنشئه.
والعودة لملف علم الفلك ، والنظر في أقوال علماء الكون ، تظهر أن ما توصلوا إليه من حقائق كونية علمية ثابتة بعد جهد جهيد من الدراسة والبحث ، هي ذاتها التي أشار إليها القرآن الكريم بوضوح القول وصريح العبارة ، وأن ما كشفوا عنه اليوم هو الذي سبقهم إليه كتاب الله تعالى وسطّر ملامحه وأطره في صفحاته قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.
الكون الذي يحوي في ثناياه النجوم والكواكب والمجرات ، وما يتبعها من غازات ومعادن وصخور وتراب وحيوانات ونباتات وإنسان ، وغير ذلك من المخلوقات الأخرى ، كان مثار اهتمام لدى الإنسان عبر مرور الأحقاب ، سواء كان هذا الاهتمام مبنيا على الخرافة والوهم ، كما عند بعض الناس في القدم ، والذين اعتقدوا بأزلية الكون ، وربطوا تصوراتهم العقائدية بأجسام عدة من الكون كالشمس والشجر
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١ / ٢٥٠.
(٢) لسان العرب ، لابن منظور ، ٤ / ٣٠٣ ، وانظر : مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني ، ص : ٥١٧.