السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (١) تدلان على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها ، وعليه إطباق أكثر أهل التفسير ، وقد روي أن العرش العظيم كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ، ثم إنه تعالى أحدث في الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان ، فأما الزبد فبقي على وجه الماء ، فخلق فيه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها أرضين ، وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات ، ... وقيل إن خلق جرم الأرض مقدم على خلق السموات ، لكن دحوها وخلق ما فيها مؤخر عنه لقوله سبحانه وتعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ولما روي عن الحسن رحمهالله ، من أنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليه دخان ملتزق بها ، ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها ، وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) وليس المراد بنظمها مع السماء في سلك الآمر بالإتيان إنشاءها وإحداثها بل إنشاء دحوها وجعلها على وجه خاص يليق بها من شكل معين ووصف مخصوص ، كأنه قيل : ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه ، ائتي يا أرض مدحوّة قرارا ومهادا لأهلك ، وائتي يا سماء مقبّبة سقفا لهم) (٢).
وعند الطبري : (عن ابن عباس ، قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء ، ثم ذكر السماء قبل الأرض ، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سماوات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، فذلك قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣).
وعند ابن كثير : (أن الأرض خلقت قبل خلق السماء ، ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء ، بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل) (٤).
وفي تفسير القرطبي : (أن الله تعالى خلق أوّلا دخان السماء ثم خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسوّاها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، ومما يدل على أن الدخان خلق أوّلا قبل الأرض ما روي عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٩.
(٢) إرشاد العقل السليم ، لأبي السعود ، ٨ / ٥ ـ ٧.
(٣) جامع البيان ، للطبري ، ٣٠ / ٤٦.
(٤) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٨ / ٣١٧.