العظيم ، أي بانطواء الكون على نفسه ، وعودته إلى نقطة البداية وشكله الأولي ، أو بالثقوب السوداء التي تقوم بشفط وضغط الكواكب وإعادتها إلى غازات كتلك التي منها نشأ الكون ... فكل التصورات العلمية التي تبناها الفلكيون في عصرنا ترسم السيناريو الواضح لنهاية الكون ، وارتداده إلى صورته التي كان عليها يوم وجد ونشأ ، والله أعلم.
وليت شعري لو أن هؤلاء العلماء ، أو المتخصصين من علماء الإسلام ، عكفوا على كتاب الله تعالى ودرسوه من جهة تخصصاتهم دراسة متأنية ، لوجدوا الخطوط البيانية والرئيسية التي ترسم أطر النهاية الكونية بكل وضوح ...
إنه التوافق العجيب بين معطيات العلوم الحديثة وحقائق القرآن الكريم ، فالعلماء اتفقوا على أن الكون سينتهي على شكل الصورة التي بدأ منها ، وهذه الحقيقة لطالما قررها مولانا تبارك وتعالى في كتابه المجيد ، قال جل جلاله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١).
وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).
وكيفما كان وجه الصورة لنهاية الكون وتآكله ثم فنائه ، ونحن لا نجزم إلا بالصورة القرآنية التي أخذت مساحة كبيرة في القرآن الكريم وهي تقرر حقيقة النهاية ، فإن الذي يعنينا من ذلك أن القرار الواضح الذي لم يعد يتسرب إليه شك أو مواربة أن سلطان الفناء والخراب سيمتد ليطوق الكون بأسره ، ثم ليحيله إلى العدم ، وهذه الحقيقة كما أسلفنا ، هي أصل من أصول الدين والعقيدة لدى كل مؤمن ، ولقد قررها القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة ، ولنستعرض طائفة من الآيات القرآنية التي تصور لنا المشهد الأخير من قصة الكون ووجوده في مسرح الحياة الفانية.
قال تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦)) (٣).
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٤.
(٢) سورة الروم ، الآية : ٢٧.
(٣) سورة التكوير ، الآيات ١ ـ ٦.