معاني النصوص القرآنية ما يدل على هذه الحقيقة العلمية ، فنحن تحققنا من كروية الأرض بسبب التقنية العلمية المستجدة ، وهم فهموا المعنى العام للآيات القرآنية ، وبوقوفنا على فهم المفسرين للنصوص الكريمة ، يظهر لنا أنهم أدركوا كروية الأرض من حيث المعنى.
ففي «أنوار التنزيل» : (خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ، يغشى كل واحد منهما الآخر ، كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس ، أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة ، أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة) (١).
وعند القرطبي : (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ، أي يلقى هذا على هذا ، وهذا على هذا ، وهذا على معنى التكوير في اللغة ، وهو طرح الشيء بعضه على بعض ، يقال : كور المتاع أي بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة ، وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية قال : ما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل ، وهو معنى قوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (٢) وقيل : تكوير الليل على النهار ، تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته) (٣).
وفي تفسير «الجواهر الحسان» : (أي يعيد من هذا على هذا ، ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض ، فكان الذي يطول من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزء فيستره ، وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه) (٤).
وفي «أضواء البيان» : (والتّكوير هو التدوير ومنه قيل : كار العمامة وكورها ، ولهذا يقال للأفلاك كروية الشكل ، لأن أصل الكرة ، كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وقال : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٥) وهذا إنما يكون فيما يستدير من أشكال الأجسام دون
__________________
(١) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٥ / ٥٨ ، وانظر : معاني القرآن ، للنحاس ، ٦ / ١٥١.
(٢) سورة فاطر ، الآية : ١٣.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٥ / ٢٣٤.
(٤) الجواهر الحسان ، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، د. ت ، ٤ / ٤٨.
(٥) سورة الملك ، الآية : ٣.