يسبح ويتحرك حركة دائبة مستمرة ، ونظرة في تفاسير العلماء حول هذه الآيات لنرى الاستنباطات أو الفهم الذي استلهموه منها.
يقول الإمام الرازي : (إذا كان (كُلِ) بمعنى كل واحد منهم ، والمذكور الشمس والقمر فكيف قال : (يُسَبِّحُونَ)؟ نقول الجواب عنه من وجوه أحدها : ما بينا أن قوله : (كُلِ) للعموم ، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ، ثانيها : أن لفظ : (كُلِ) يجوز أن يوحد نظرا إلى كونه لفظا موحدا غير مثنى ولا مجموع ، ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعا ، وأما التثنية فلا يدل عليها اللفظ ولا المعنى ، ثالثها : لمّا قال : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) والمراد ما في الليل من الكواكب قال : (يُسَبِّحُونَ) ، والمسألة الثالثة : الفلك ما ذا؟ نقول : الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة ، لأن أهل اللغة اتفقوا على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها ... ولكل كوكب فلك لاختلاف سيرها بالسرعة والبطء والممر ، فإن بعضها يمر في دائرة وبعضها في دائرة أخرى ، حتى في بعض الأوقات يمر بعضها ببعض ولا يكسفه وفي بعض الأوقات يكسفه ، فلكل كوكب فلك ، ثم إن أهل الهيئة قالوا : كل فلك هو جسم كرة ، وذلك غير لازم ، بل اللازم أن نقول : لكل فلك هو كرة أو صفحة أو دائرة يفعلها الكوكب بحركته ، وهذا هو المفهوم من قوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) والظاهر أن حركة الكواكب على هذا الوجه ، وأرباب الهيئة أنكروا ذلك وقالوا : لا تجوز الحركة على هذا الوجه ، لأن الكوكب له جرم فإذا شق السماء وتحرك فإما أن يكون موضع دورانه ينشق ويلتئم ، كالماء تحركه السمكة أو لا ينشق ولا يلتئم ، بل هناك خلاء يدور الكوكب فيه ، لكن الخلاء محال والسماء لا تقبل الشق والالتئام) (١).
وفي «روح المعاني» : (جعل الله تعالى السموات ساكنة ، وخلق فيها سبحانه نجوما ، وجعل لها في عالم سيرها وسباحتها في هذه السموات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص ، وجعلها عاقلة سامعة مطيعة ، وأوحى في كل سماء أمرها ، ثم أنه عزوجل لما جعل السباحة للنجوم في هذه السموات حدثت لسيرها طرق لكل كوكب طريق ، وهو قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٢) فسميت تلك الطرق أفلاكا ، فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب ، وهي سريعة السير في جرم السماء الذي هو مساحتها ، فتخرق الهواء
__________________
(١) التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، ٢٦ / ٢٨٥.
(٢) سورة الذاريات ، الآية : ٧.