المماس لها فيحدث لسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم ، فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماويّة ، فهي تجري في هذه الطرق بعادة مستمرة ، قد علم بالرصد مقادير ودخول بعضها على بعض في السير ، وجعل سيرها للناظرين بين بطء وسرعة ، وجعل سبحانه لها تقدما وتأخرا في أماكن معلومة من السماء ، تعينها أجرام الكواكب لإضاءتها) (١).
وفي تفسير «التحرير والتنوير» : (وقد جمعت الآية استدلالا وامتنانا ، فهي دليل على عظم قدرة الخالق ، وهي أيضا تذكير بنعمه ، فإن في اختلاف الليل والنهار آيات جمّة لما يدل عليه حصول الظلمة من دقة نظام دوران الأرض حول الشمس ، ومن دقة نظام خلق الشمس ، ولما يتوقف عليه وجود النهار من تغير دوران الأرض ومن فوائد نور الشمس ...) (٢).
ويقول سيد قطب رحمهالله : (والخنس الجوار الكنس ، هي الكواكب التي تخنس أي ترجع في دورتها الفلكية وتجري وتختفي ، والتعبير يخلع عليها حياة رشيقة كحياة الظباء ، وهي تجري وتختبئ في كناسها وترجع من ناحية أخرى ، فهناك حياة تنبض من خلال التعبير الرشيق الأنيق عن هذه الكواكب ، وهناك إيماء شعوري بالجمال في حركتها ، في اختفائها وفي ظهورها ، في تواريها وفي سفورها ، في جريانها وفي عودتها) (٣).
وأما قوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (حال من ضمير الجبال في تحسبها ، أو في جامدة أي تراها رأي العين ساكنة ، والحال أنّها تمرّ مرّ السّحاب التي تسيرها الرّياح سيرا حثيثا ، وذلك أنّ الأجرام العظام إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تتبين حركتها) (٤).
(أي وترى الجبال رأي العين ساكنة ، والحال أنها تمر في الجو مرّ السحاب التي
__________________
(١) روح المعاني ، للآلوسي ، ٢٣ / ٣١ ، وانظر : بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٣ / ١٢٠.
(٢) التحرير والتنوير ، لابن عاشور ، ١٩ / ٦٧.
(٣) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٦ / ٣٨٤١.
(٤) إرشاد العقل السليم ، لأبي السعود ، ٦ / ٢٩٣ ، وانظر : أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٤ / ٢٧٩.