أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)) (١).
وهكذا مع سائر الأنبياء ... وكيفما كان الحال ، فإن المعجزة عطية من الله تعالى لرسوله يختارها له في الكيفية التي يشاؤها ولمن يريدها.
إذا علمنا هذا ، فإننا من خلال عرض واستقراء معجزات الأنبياء السابقين يتضح أن معجزاتهم على نوعين :
النوع الأول : حسية ، وقد أيد جميع رسل الله بها.
النوع الثاني : كتب وصحف منزلة ، إلا أن هذه الصحف وتلك الكتب منها ما قد اندثر في غياهب الزمان ، وانحجب عنا فأصبح أثرا بعد عين ، كصحف إبراهيم والزبور وغيره ، ومنها ما قد تسرب إليه التبديل والتحريف ولم يسلم منه إلا القليل ، كالتوراة والإنجيل.
وهذه المعجزات كما علمنا كانت منسجمة مع البيئة والمحيط الذي ظهرت فيه ، ومتناسبة مع المستوى العقلي والعلمي والاجتماعي لدى القوم الذين خوطبوا بها ، إلا أن تلك المعجزات المادية كانت حياتها مرتبطة بحياة أصحابها من الأنبياء ، فلما رحل الأنبياء إلى دار القرار ، ذهب وجه الإعجاز لتلك البينات من حيز الواقع المشاهد والمرئي ، ولم يبق منها إلا النقول والأخبار عبر وحي الله تعالى تقريرا وتحقيقا ، وعبر التاريخ رواية.
والشواهد كثيرة في كتاب الله تعالى على ما ذكرنا ... (فالأنبياء الذين عاشوا في البلاد العربية كانت معجزاتهم مناسبة لبيئة العرب الصحراوية ، فمعجزة صالح عليهالسلام كانت ناقة غريبة المنشأ والمولد بين نوق أهل البادية) (٢).
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤)
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآيات ٦٥ ـ ٧٠.
(٢) مباحث في إعجاز القرآن ، مصطفى مسلم ص ٢٢ ، وانظر : فكرة إعجاز القرآن ، نعيم الحمصي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ ، ص : ١٣.