قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦)) (١).
ومن الملاحظ أن معجزة صالح كانت من جنس ما شاع في أرجاء الجزيرة العربية من تربية الأنعام ورعيها ، فلو أن صالحا أتاهم بمعجزة غريبة عنهم كعصا موسى مثلا ، أو كإحياء الموتى لاستهجنها القوم واستنكروها ولقالوا بلسان واحد : نحن أمة لا نعرف سحرا ولا طبا ، ولو كان لدينا علم بأعمال السحرة وأساليبهم لدحضنا ما جئت به وأبطلنا معجزتك.
وهذا موسى عليهالسلام فلقد اشتهر أهل مصر بالسحر وأفانين السحرة ، ومن هنا كان لزاما أن يؤيد موسى بمعجزة من نوع ما تعارف عليه قومه ليقيم الحجة عليهم ويثبت صدق ما ادعاه ، ومن أبرز معجزاته : العصا واليد ، قال تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢)) (٢).
(فلو أن موسى عليهالسلام ذهب إلى فرعون وقومه بمعجزة لغوية كمعجزة النبي صلىاللهعليهوسلم في القرآن وقرأها عليهم ، لقالوا له : إن ما جئتنا به كلام عادي ، ليس فيه إعجاز ، ولا يدل على صدقك ولو كنا نعرف العربية أو نتقنها كالعرب ، لأتيناك بكلام أبلغ من الكلام الذي جئتنا به ولما أفلحت معهم معجزته البلاغية ، وما ذاك إلا لأنهم لا يعرفون العربية ، ولو عرفوها لكانت معرفتهم لها معرفة بسيطة لا تمكنهم من الوقوف على وجه الإعجاز في القرآن ، ولذلك كان لا بد من معجزة تتناسب مع معارفهم وعلومهم) (٣).
(وبعد موسى عليهالسلام انتشرت الفلسفة الأيونية ، وهي أساس الفلسفة اليونانية فيما بعد وكانت تقوم على الأخذ بالأسباب والمسببات ، وتولد العلة من المعلول في انتظام قائم لا يتخلف فجاءت معجزات أنبياء بني إسرائيل في هذا العصر خارقة للأسباب
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآيات ١٥٣ ـ ١٥٦.
(٢) سورة طه ، الآيات ١٧ ـ ٢٢.
(٣) المعجزة القرآنية ، محمد حسن هيتو ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٩ ه / ١٩٨٩ ، ص : ٢٣.