والمسببات ، لتثبت أن الكون كله بإرادة مختار ، لا يفعل إلا ما يريد ولا يصدر عنه بغير إرادته الثابتة شيء) (١).
وإننا نلحظ هذا المعنى من تعليم الله تعالى نبيه سليمان عليهالسلام منطق الطير والحيوانات الأخرى كالنمل مثلا ، قال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) (٢).
وتسخير الريح له ، قال سبحانه : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (٣).
وفي عصر عيسى عليهالسلام نبغ قومه وبرعوا بالطب ، فكانت المعجزات التي أجراها الحق تبارك وتعالى على يده من جنس ما اشتهر به القوم ، ولقد كانت حياة عيسى عليهالسلام حافلة بالمعجزات الربانية بدءا من حمله وحتى رفعه إلى السماء.
فلقد جرت سنة الله في خلقه أن يكون الوالدان سببا في إنجاب المولود ، فجاءت ولادة عيسى عليهالسلام معجزة خارقة لتلك السنن المعتادة ، وفي ذلك يقول مولانا تبارك وتعالى :
(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٤٨) (٤).
وعند الولادة سطّر القرآن الكريم معجزة نطقه في المهد بالحكمة وفصيح البيان ، وكانت كلماته عليهالسلام معجزة في نطقه ، وإلجاما لأفواه الذين أرادوا أن ينالوا من أمه
__________________
(١) المعجزة الكبرى ، محمد أبو زهرة ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، د. ت ، ص : ٤٣٧.
(٢) سورة النمل ، الآيات : ١٦ ـ ١٩.
(٣) سورة سبأ ، الآية : ١٢.
(٤) سورة آل عمران ، الآيات : ٤٥ ـ ٤٨.