مجاز ، لأن الأرض ينبت منها والله تعالى هو المنبت لذلك ، لكنه يضاف إليها توسعا ، ومعنى (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) من كل نوع من أنواع النبات من زرع وغرس ، والبهجة حسن الشيء ونضارته ، والبهيج بمعنى المبهج) (١).
وقال الإمام القرطبي : (الاهتزاز : شدّة الحركة ، يقال : هززت الشيء فاهتز ، أي حركته فتحرك وهزّ الحادي الإبل هزيزا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه ، واهتز الكوكب في انقضاضه وكوكب هازّ ، فالأرض تهتز بالنبات لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة خفية فسماه اهتزازا مجازا ... والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض ، (وَرَبَتْ) أي ارتفعت وزادت وقيل : انتفخت والمعنى واحد ، وأصله الزيادة ، ربا الشيء يربو ربوّا أي زاد ، ومنه الربا والرّبوة) (٢).
ويقول سيد قطب رحمهالله في تفسيره «الظلال» : (الهمود درجة بين الحياة والموت ، وهكذا تكون الأرض قبل الماء ، وهو العنصر الأصيل في الحياة والأحياء ، فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت ، وهي حركة عجيبة سجّلها القرآن قبل أن تسجّلها الملاحظة العلمية بمئات الأعوام ، فالتربة الجافة حين ينزل عليها الماء تتحرك حركة اهتزاز ، وهي تشرب الماء فتنتفخ وتربو ثم تفتح بالحياة عن النبات من كل زوج بهيج ، وهل أبهج من الحياة وهي تتفتح بعد الكمون ، وتنتفض بعد الهمود) (٣).
وأما الآية الثانية والتي ذكرت (خاشِعَةً) دون (هامِدَةً) فيقول الإمام الرازي : (الخشوع التذلل والتصاغر ، واستعير هذا اللفظ لحال الأرض حال خلوها عن المطر والنبات (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) أي تحركت بالنبات ، وربت ، انتفخت لأن النبت إذا قرب أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ، ثم تصدعت عن النبات ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) يعني أن القادر على إحياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها) (٤).
__________________
(١) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٣ / ٢٠٧ ، وانظر : محاسن التأويل ، محمد القاسمي ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، ١٩٧٨ ، ١٢ / ٩.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٢ / ٥.
(٣) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٤ / ٢٤١١.
(٤) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٧ / ٥٧٠.