بتداخل الأجسام في حيّز واحد ، ودوّن مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملحدة في دين الإسلام وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات ، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفا من السيف ، فأنكر إعجاز القرآن في نظمه ، وأنكر ما روي من معجزات نبينا صلىاللهعليهوسلم من انشقاق القمر ، وتسبيح الحصى في يده ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، ليتوصل بإنكار معجزات نبينا صلىاللهعليهوسلم إلى إنكار نبوته ، ثم إنه استثقل أحكام شريعة الإسلام في فروعها ولم يجسر على إظهار دفعها ، فأبطل الطرق الدالة عليها ، فأنكر لأجل ذلك حجة الإجماع ، وحجية القياس في الفروع الشرعية ...) (١).
ثم عرض بعد هذا البغدادي سلسلة طويلة من انحرافاته وضلالاته ، وأسماها «بالفضائح» بسط الكلام فيما أوجزناه وأثبتناه هاهنا ، وغير البغدادي كثير من علماء الإسلام الذين أماطوا اللثام عن زيف ووهم ما ذهب إليه النظام ، وركّزوا على الصرفة التي جاهر بها ، من ذلك ما أورده الإمام الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» إذ يقول : (إبراهيم بن سيّار النظّام قد طالع كثيرا من كتب الفلاسفة ، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة ، وانفرد عن أصحابه بمسائل ... وذكر ثلاثة عشر مسألة أوضح فيها ضلاله وزيفه ، منها قضية الصرفة) (٢).
ومن خلال استقراء حياة النظام يتبين لنا أنه كان شعلة من الذكاء والنباهة ، حتى قال فيه الجاحظ : (قد أنهج ـ أي للمتكلمين ـ لهم سبلا ، وفتق لهم أمورا ، واختصر لهم أبوابا ظهرت فيها النعمة وشملتهم بها المنفعة) (٣).
__________________
(١) الفرق بين الفرق ، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ، بيروت ، دار المعرفة ، تحقيق ، محمد محي الدين عبد الحميد ، د. ت ، ص ١٣١ ـ ١٣٢.
(٢) الملل والنحل ، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ، بيروت ، دار المعرفة ، تحقيق ، محمد كيلاني ، ١٤٠٤ ه ، ١ / ٥٣ ، وانظر الفصل في الملل والأهواء والنحل ، علي بن أحمد بن حزم الظاهري ، بيروت ، دار المعرفة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٥ ه / ١٩٧٥ ، ١ / ٦٧ ، وانظر : عقائد الثلاث والسبعين فرقة ، لأبي محمد اليمني ، المدينة المنورة ، مكتبة العلوم والحكم ، تحقيق ، محمد الغامدي ، الطبعة الثانية ١٤٢٢ ه / ٢٠٠١ ١ / ٣٣٣ وانظر : معجم الفرق الإسلامية ، شريف يحيى الأمين ، بيروت ، دار الأضواء ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ ص ٢٥٠.
(٣) الحيوان ، عمر بن بحر بن محبوب الجاحظ ، بيروت ، دار الهلال ، تحقيق ، يحيى الشامي ، الطبعة الثالثة ، ١٩٩٧ ، ٤ / ٦٩.