وقال عنه الجاحظ أيضا : (وكان لا يرتاب بحديث النظّام إذا حكى عن سماع أو عيان) (١).
ووصفه أحمد أمين (٢) بأنه (عقلية قوية سابقة لزمنها ، فيها الركنان الأساسيان اللذان سببا النهضة الحديثة في أوروبا وهما : الشك والتجربة) (٣).
لكن مع كل هذا الثناء والمديح سواء كان مبالغا فيه أم لا (لم يستخدم النظّام قدرته العقلية وطاقاته المعرفية والذكائية في خدمة الشريعة الغراء ، والكشف عن أسرارها وحكمها وشموليتها للكون والحياة والإنسان ، بل على العكس من ذلك تماما ، فقد سلط قلمه ولسانه على الشرع السمح واستهتر بقضايا الدين ، وطعن في أصول الشريعة كما طعن في فتوى أعلام الصحابة ...) (٤).
علاوة على ذلك فإنه كان منحرف السلوك ، سيّئ الخلق ، وهذا وصف ابن قتيبة له يقول : (وجدنا النظّام شاطرا من الشطّار ، يغدو على سكر ويروح على سكر ، ويبيت على جرائرها ، ويدخل في الأدناس ، ويرتكب الفواحش والشائنات ، وهو القائل :
ما زلت آخذ الزقّ في لطف |
|
وأستبيح دما من غير مجروح |
حتى انثنيت ولي روحان في جسدي |
|
والزقّ مطّرح جسم بلا روح |
ثم نجد أصحابه يعدون من خطئه قوله : إن الله عزوجل يحدث الدنيا وما فيها ، في كل وقت من غير إفنائها ...) (٥).
وقد اتفق أكثر المعتزلة على تكفير النّظام كما قال البغدادي : (وقد قال بتكفيره أكثر شيوخ المعتزلة ، منهم أبو الهذيل ، فإنه قال بتكفيره في كتابه المعروف «بالرد على
__________________
(١) المصدر نفسه ، ٤ / ١٠٦.
(٢) ١٢٩٥ ـ ١٣٧٣ ه ١٨٧٨ ـ ١٩٥٤ ، أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ ، عالم بالأدب غزير الاطلاع على التاريخ ، من كبار الكتاب ، مولده ووفاته بالقاهرة ، قرأ بالأزهر وتخرج بمدرسة القضاء الشرعي ، تولى الكثير من المناصب ، من مؤلفاته ، فجر الإسلام وضحى الإسلام ، وظهر الإسلام ، وغيرها. انظر : الأعلام ، للزركلي ، ١ / ١٠١ بتصرف.
(٣) ضحى الإسلام ، أحمد أمين ، القاهرة ، النهضة المصرية ، الطبعة السابعة ، ١٩٦١ ، ٣ / ١١٢.
(٤) انظر : الملل والنحل ، للشهرستاني ، ١ / ٥٧ ، ولوامع الأنوار ، للسفاريني ، ١ / ٧٨ ، بتصرف.
(٥) تأويل مختلف الحديث ، عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، تحقيق ، محمد الأصفر ، الطبعة الأولى ، ١٩٨٩ ، ص ٢٥.