أو نثر ، ولكن المتتبع للمأثورات العربية في الجاهلية والإسلام لا يجد فيها ما يقارب القرآن في ألفاظه أو معانيه أو صوره البيانية) (١).
٣ ـ وأما الرد على النظّام ومن معه فإنا نقول : (كيف يصح القول أن همتهم لم تتجه للإتيان بمثل القرآن ، وهم الذين لم يتركوا سبيلا للقضاء على دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم وسلكوا كل طريق شاق ، وحاربوه وناوءوه وقاطعوه ، وآذوه مع إبطاله لمعتقداتهم ، وإثارته لحفيظتهم ، واستفزازه لمشاعرهم ، وإلهابه لغيرتهم وأصاب موضع عزتهم وفخارهم ، وقد مكّنهم من نفسه لو استطاعوا فدعاهم وتحداهم أن يأتوا بمثل سورة من القرآن ولو كان فيهم أدنى قدرة ، أو عرفوا أحدا يملكها في أقصى الأرض لبعثوا إليه كما بعثوا لليهود يسألونهم عمّا يسألون محمدا صلىاللهعليهوسلم عنه ليحرجوه ، فلا يصح بعد هذا أن يقال : إن همتهم لم تتجه للإتيان بمثله) (٢).
ثم إن أول من رد على النظّام تلميذه الجاحظ ، والجاحظ كما نعلم معتزلي ، ولكنه كان حافلا بالصياغة اللغوية ، وممن يجعلون لصفاء العبارة ورونقها شأنا في البلاغة ، كذلك هو كما وصفه ابن النديم في الفهرست : (بأنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويثبت فيها للنظر) (٣).
وها هو ذا الجاحظ يتحدّث عن إعجاز القرآن ونظمه وأسلوبه البياني ، رادّا في ذلك على أستاذه النظّام يقول : (بعث الله محمدا أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ، وأحكم ما كانت لغة ، وأشد ما كانت عدّة ، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته فدعاهم بالحجة ، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحميّة دون الجهل والحيرة ، حملهم على حظّهم بالسيف ، فنصب لهم الحرب ونصبوا له وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم ، وهو في ذلك
__________________
(١) المعجزة الكبرى ، لمحمد أبو زهرة ، ص : ٨٣.
(٢) دراسات في علوم القرآن الكريم ، د. فهد الرومي ، الرياض ، مكتبة التوبة ، الطبعة السابعة ، ١٤١٩ ه / ١٩٩٨ ، ص ٢٧٤ ، وانظر روح المعاني والسبع المثاني ، محمد الألوسي أبو الفضل بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، د. ت ، ١ / ٢٩.
(٣) الفهرست ، محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ ، ١ / ١٦٩ ، وانظر : أبجد العلوم في بيان أحوال العلوم ، صديق بن حسن القنوجي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، تحقيق ، عبد الجبار زكار ، ١٩٧٨ ، ٢ / ٢٦٠.