وكان إبراهيم أسود اللون (١).
قال عبيد الله بن سعيد بن عفير ، عن أبيه قال : قدم إبراهيم بن سعد العراق سنة أربع وثمانين ومائة ، فأكرمه الرشيد وأظهر برّه ، وسئل عن الغناء فأفتى بتحليله. وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه ، فسمعه يتغنّى فقال : لقد كنت حريصا على أن أسمع منك ، فأمّا الآن فلا أسمع منك. فقال : إذا لا أفقد إلا شخصك ، وعليّ وعليّ إن حدّثت ببغداد حديثا حتى أغنّي قبله. وشاعت هذه عنه ببغداد ، وبلغت الرشيد ، فدعا به وسأله عن حديث المخزوميّة التي قطعها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السّرقة (٢) ، فدعا بعود ، فقال الرشيد : أعود البخور؟ (٣) قال : لا ولكن عود الطّرب. فتبسّم ، وفهمها إبراهيم بن سعد فقال : لعلّك بلغك يا أمير المؤمنين حديث السفيه الّذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت؟ قال : نعم. ودعا له الرشيد بعود ، فغنّاه :
يا أمّ طلحة إنّ البين قد أزفا (٤) |
|
قلّ الثواء لئن كأن الرحيل غدا (٥) |
وقال له الرشيد : من كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال : من ربطه الله.
قال : فهل بلغك عن مالك في هذا شيء؟
قال : أخبرني أبي أنّهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع ، وهم يومئذ جلّة (٦) ، ومعهم دفوف ومغان (٧) وعيدان يغنّون ويلعبون ، ومع مالك دفّ مربّع وهو يغنّيهم :
سليمى أجمعت بينا |
|
فأين لقاؤها أينا |
__________________
(١) تاريخ الثقات للعجلي ٥٢.
(٢) في تاريخ بغداد «في سرقة الحليّ».
(٣) في تاريخ بغداد «المجمر».
(٤) في تاريخ بغداد «قد أفدا».
(٥) البيت لعمر بن أبي ربيعة (الديوان ١٥٧ و ٢٣٠ ـ طبعة ليبزغ ١٩٠١).
(٦) زاد الخطيب في تاريخه : «ومالك أقلّهم من فقهه وقدره».
(٧) عند الخطيب «معازف».