وكانت عائشة وحفصة توذيانها وتشتمانها وتقولان لها : يا بنت اليهوديّة ، فشكت الى رسول الله (ص) فقال لها : الا تجيبينهما؟ ـ فقالت : بماذا يا رسول الله (ص)؟ ـ قال : قولي لهما : انّ ابى هارون (ص) نبىّ الله ، وعمّى موسى كليم الله ، وزوجي محمّد (ص) رسول الله (ص) فما تنكران منّى؟! فقالت لهما : فقالتا هذا علّمك رسول الله (ص) (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أتى بهذه الكلمة اشعارا بعلّة الحكم حيث انّ المؤمنين كلّ منهم بمنزلة نفس الآخر (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) السّيّئة بان يلقّب بعضكم بعضا بلقب سوء (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ) الخروج عن عهد محمّد (ص) وعقده وشروط عقده بذلك وانّما أتى بالفسوق مقام الضّمير أو اسم الاشارة للاشعار بانّ ذلك فسوق وخروج عن عهدة عهد الله (بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) عن السّخريّة واللّمز والنّبذ بالألقاب ، وأتى بذكر التّوبة اشعارا بانّه معصية (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لا ظالم أظلم منهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا كان الحكم الآتي أيضا ممّا يصعب امتثاله لكون الظّنّ في جبلّة أكثر النّاس أتى بالنّداء (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) إبهام الكثير ليحتاط في كلّ ظنّ ويتبيّن انّه من اىّ القبيل.
أقسام الظّنّ وهي خمسة بحسب الأحكام الخمسة
(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) اجتناب أصل الظّنّ غير مقدور للمكلّفين الّا ان يكون الأمر باجتناب الظّنّ امرا باجتناب مباديه ، وامّا اجتناب اتّباعه فانّه مقدور لكلّ أحد والظنّون مختلفة فظنّ يجب اتّباعه لو حصل ، ويجب تحصيله لو لم يكن حاصلا وهو الظّنّ حين الشّكّ في الصّلوة ، والظّنّ حين الاحتياط في العمل ، وكالظّنّ الحسن بالله وبالمؤمنين ، وظنّ يستحبّ اتّباعه لو حصل ويستحبّ تحصيله لو لم يكن حاصلا كالظّنّ بحاجة المؤمن ، وتحصيل الظّنّ بحاله من حاجة وغيرها ، وظنّ يكره اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بنجاسة شيء لا يحصل من تطهيره ضرر معتدّ به ، وظنّ يحرم اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بسوآت المؤمنين وعوراتهم وفحشائهم ، وظنّ مباح ، فبعض الظّنّ اثم يجب اجتنابه وترك اتّباعه ، وعن علىّ (ع) قال : ضع امر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يقلّبك منه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا ، وعنه (ع): إذا استولى الصّلاح على الزّمان واهله ثمّ أساء رجل الظّنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزّمان واهله ثمّ أحسن الرّجل الظّنّ برجل فقد غرر.
معنى الغيبة
(وَلا تَجَسَّسُوا) عن عورات المؤمنين حتّى يحصل لكم ظنّ سوء ، وقرئ لا تحسّسوا بالحاء المهملة وهو بمعناه ، عن الصّادق (ع) قال رسول الله (ص): لا تطلبوا عثرات المؤمنين فانّه من تتبّع عثرات أخيه تتّبع الله عثرته ، ومن تتبّع الله عثرته يفضحه ولو في جوف بيته (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) اى لا يذكر بعضكم بعضا بالسّوء في غيبته ، والغيبة ان تظهر بلسانك أو بسائر جوارحك بالتّصريح أو بالكناية والتّلويح عيبا للمؤمن قد ستره الله عليه في غيابه ، وحيث لم يكن يعلم بإظهارك ، وامّا العيوب الّتى لم تكن في المؤمن فنسبتها اليه في حضوره وغيابه تكون بهتانا وتكون اشدّ من الغيبة ، ويظهر ممّا ذكرنا في سورة البقرة في بيان قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وجه حرمة السّخريّة بالمؤمن ولمزه ونبزه باللّقب السّوء والظّنّ به وتجسّس عورته والغيبة له والبهتان له ، ويظهر أيضا سرّ كونها اشدّ من الزّنية ، وقد ذكر في الفقه الموارد الّتى يجوز الغيبة فيها ، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن الغيبة فقال : هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبثّ عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حدّ ، وفي رواية : وامّا الأمر الظّاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا ، وعن