معتد على العباد (مُرِيبٍ) شاكّ في الله ، أو في رسوله ، أو في خلافة خليفته (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأصنام والكواكب والاهوية ، أو جعل مع مظاهر الله خليفة اخرى في الأرض مثل نمرود وفرعون (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ قالَ قَرِينُهُ) اى الشّيطان المقيّض له (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) كأنّه قال : هو اطغانى (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) من الحقّ يعنى انّه كان في الفطرة ضالّا فأعنته على ذلك لا انّى أحدثت له الضّلالة (قالَ) اى الله (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) فما سمعتموه وما ارتدعتم فلا حجّة لكم عندي (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) بالعذاب على من سجّلت العذاب عليه ، وامّا العفو فهو ليس من تبديل القول فانّه أيضا من الوعد الّذى لا خلف فيه وليس العفو جزافا حتّى يقول كلّ مذنب ليعف عنّى (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا اعذّب من دون سبب ولا أعفو من غير داع (يَوْمَ نَقُولُ) ظرف لظلّام ، أو ليبدّل اى يوم يقول الله ، وقرئ بالتّكلّم (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) يسئل عنها سؤال تقرير حتّى لا ببدّل قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ،) أو سؤال استفهام لكنّ المنظور تنبيه العصاة وتهديدهم (فَتَقُولُ) في الجواب (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) استفهاما لطلب الزّيادة أو تعجّبا من الزّيادة على ما فيها وإنكارا للمزيد ، ولمّا كان جميع أجزاء عالم الآخرة ذات علم وارادة ونطق فلا حاجة لنا الى تأويل السّؤال والجواب هاهنا (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) في قوله القيا في جهنّم وفي قوله أزلفت الجنّة (لِلْمُتَّقِينَ) توهين للعصاة وتشريف للمتّقين وليس المتّقون الّا من قبل الولاية وهم شيعة آل محمّد (ص) (غَيْرَ بَعِيدٍ) مكانا غير بعيد أو ازلافا غير بعيد ، أو حالكونها غير بعيدة ، وإسقاط التّاء حينئذ يكون من قبيل إسقاط التّاء من قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وهو تأكيد لقربها (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدل من قوله للمتّقين ، أو خبر مبتدء محذوف ، والاوّاب الكثير الرّجوع الى الله (حَفِيظٍ) حافظ نفسه من التّدنّس بادناس المعاصي ، أو محفوظ عن المعاصي (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) بدل من اوّاب ، أو خبر مبتدء محذوف ، أو مبتدء خبره ادخلوها (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) راجع الى الله (ادْخُلُوها) خبر لمن خشي ، أو حال ، أو مستأنف والكلّ بتقدير القول (بِسَلامٍ) من كلّ آفة (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) متعلّق بيشاؤن أو بلهم (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) فانّ لدينا ما لا يخطر ببالهم حتّى يشاؤها ثمّ عطف على عقوبة الكفّار تهديدا لهم وقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) قبل قريش أو أهل مكّة (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) نقب في الأرض من المجرّد ، ونقّب من التّفعيل ، وانقب من الأفعال ذهب فيها ، ونقّب عن الاخبار بحث عنها وأخبر بها ، والمراد فتحوا البلاد أو ساروا فيها بالمنافع الكثيرة والأعمال الدّقيقة ، أو ساروا فيها لتجسّس الاخبار (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) ومخلص من الهلاك ، والجملة حاليّة أو مستأنفة بتقدير القول اى يقول تلك القرون أو نقول لهم هل من محيص (إِنَّ فِي ذلِكَ) الاخبار أو في ذلك الإهلاك (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ).
اعلم ، انّ العلم الّذى هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، اوّل ظهوره يورث التّحيّر والإنصات فيطلب به من يخرجه من تحيّره فاذا وجد وانقاد له لم يكن له شأن الّا الاستماع الى ما قال المنقاد له والامام ، فثاني مراتبه يورث الاستماع لمن انقاد له وهو مقام التّقليد فانّه يأخذ في هذا المقام من الامام مصدّقا له من غير تحقيق لمأخوذاته ،