وأولئك الآدميّين (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) تمهيد لعلمه تعالى بخفيّات أمور الإنسان وتعليل لقوله : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ، والمراد بالإنسان جنس الإنسان (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) من خطرات قلوبه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) تعليل لعلمه بخفيّات أموره ، والاوردة العروق النّابتة من الكبد وبها يجرى الدّم الّذى هو غذاء البدن الى الأعضاء كما انّ الشّرائين العروق النّابتة من القلب وبها يجرى الرّوح الحيوانىّ والرّوح الدّماغىّ الى الأعضاء وصار حبل الوريد مثلا في القرب (إِذْ يَتَلَقَّى) ظرف لا قرب أو لنعلم أو لهما يعنى نحن أقرب اليه إذ يتلقّى (الْمُتَلَقِّيانِ) اى إذ يتلقّى الحفيظان ما يتلفّظ وما يفعله والمعنى نحن أقرب اليه وقت تلقّى الكاتبين ألفاظه واعماله فلا حاجة لنا الى كاتب يكتب اعماله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) مراقب كثيرا لأعماله (عَتِيدٌ) معدّ لكتابة الأعمال ، عن الصّادق (ع): ما من قلب الّا وله أذنان على إحديهما ملك مرشد وعلى الاخرى شيطان مفتّن هذا يأمره وهذا يزجره ، الشّيطان يأمره بالمعاصي ، والملك يزجره عنها ، وهو قول الله تعالى عن اليمين وعن الشّمال قعيد ، وفي بعض الاخبار تلويح بانّ صاحب اليمين وصاحب الشّمال كليهما ملكان ، صاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال ويكتب الحسنات ، وصاحب الشّمال يكتب السّيّئات وهذا من سعة وجوه القرآن (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) سكرة الموت كناية عن الغشية الحاصلة عنده ، وأتى بالماضي لتحقّق وقوعه (بِالْحَقِ) لا يغيّر الحقّ حتّى تكون امارة كاذبة وقرئ : وجاءت سكرة الحقّ بالموت ، والباء على القرائتين للتّعديّة ، أو بمعنى مع ، أو للسّببيّة (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وتفرّ ، والجملة حاليّة ، أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول ، والخطاب لمطلق الإنسان أو لمنكر البعث (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) وهذه أيضا حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول اى يقال له ذلك اليوم العظيم يوم الوعيد الّذى كنت تنكره ، والمراد بالنّفخة النّفخة الثّانية كما انّ المراد بمجيء سكرة الموت النّفخة الاولى (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) السّائق ملك موكّل على الإنسان يسوقه الى المحشر والى الآخرة ، ويزجره عن الوقوف في المواقف ، والشّهيد ملك موكّل عليه يحضر معه في كلّ موطن ويحفظ ويشهد عليه بجميع اعماله ، فانّه كما انّ الإنسان في الدّنيا له نوائب تمنعه عن الوقوف والاطمينان بالدّنيا وله حالة يلتذّ بها في المناجاة والطّاعات كذلك في الآخرة عليه ملك يزجره عن الوقوف ويسوقه ، وملك حاضر معه في جميع مواطنه ، وهذان الملكان يكونان معه في الدّنيا لكن لا يعلم بهما ، وقيل المراد بالسّائق الملك الّذى هو صاحب الشّمال ، وبالشّهيد صاحب اليمين (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) مستأنفة أو حاليّة بتقدير القول والمعنى كنت في غفلة من هذا في الدّنيا (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) فتبصر في هذا اليوم ما كنت لا تبصره في الدّنيا (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) فتبصر في هذا اليوم دقائق ما كنت لا تقدر على ابصاره في الدّنيا (وَقالَ قَرِينُهُ) اى الملك الموكّل عليه (هذا) المكتوب الّذى كتبته عليه (ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ومهيّأ للحضور والإظهار وقال الشّيطان الّذى قيّض له هذا الضّال ما لدىّ عتيد ومهيّأ لجهنّم (أَلْقِيا) من مقول قول القرين ، أو استيناف كلام من الله بتقدير القول سواء جعل حالا أو مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر والخطاب للسّائق والشّهيد ، أو لمحمّد (ص) وعلىّ (ع) كما ورد في اخبار عديدة من طريق الخاصّة والعامّة وزيد في بعض الاخبار : وادخلا الجنّة من احبّكما (فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ) يتعدّى حدود الله أو