الى الأرض ومواليدها ولو لا آثار تلك الكواكب لما أمكن بقاؤها (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) بحسب الصّورة يعنى ليس بناؤها مثل بناء البانين من البشر لا يمكن لهم ان يبنوا بلا فروج وما لها خلل ونقص في خلقتها حتّى يمكن لأحد ان يقول : لو كان كذا لكان اولى (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) اى كيف مددنا الأرض بحيث يمكن التّعيّش عليها والانتقاع بها بالزّراعات والتّجارات والعمارات (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) اى صنف (بَهِيجٍ) من النّبات وبذلك الإنبات يسهل تعيّشكم وتعيّش انعامكم وليس هذا من محض الطّبيعة كما يقوله أراذل النّاس من الطّبيعيّة والدّهريّة بل من مبدء عليم قدير رحيم حكيم مدبّر ، وخلق الكلّ لبني آدم كما هو المشهود ، وليس ذلك لتعيّشهم في الدّنيا كما يقوله منكروا البعث بل لتعيّشهم في الدّنيا واستكمالهم فيها ليكونوا في الآخرة على أحسن وجه (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) الى ربّه فانّ غيره لابتلائه بالحرص وطول الأمل يمرّ على الآيات غافلا عنها (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) كثير البركة فانّ بركات الأرض كلّها من الماء وليس من ماء في الأرض الّا وقد خالطه ماء السّماء كما روى عن النّبىّ (ص): ليس من ماء في الأرض الّا وقد خالطه ماء السّماء ، أو المراد بالسّماء جهة العلو (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) نسبة الإنبات الى الجنّات باعتبار إنبات أشجارها مجاز عقلىّ (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) يعنى أنبتنا به حبّ النّبات الّذى من شأنه ان يحصد (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) طوالا (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) منضود بعضها فوق بعض (رِزْقاً لِلْعِبادِ) اى نرزق بذلك الطّلع بعد بلوغه ونضجه رزقا للعباد ، أو حالكون الطّلع رزقا للعباد (وَأَحْيَيْنا بِهِ) بذلك الماء (بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) بعد الممات فما لكم تشاهدون إماتة الأشجار والأراضي عن الأوراق والنّبات وإحياءها بعد ذلك وتنكرون احياء البشر بعد الممات ، وهذا تمثيل لسهولة تصوير البعث أو تنبيه على البيّنة الوجدانيّة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ) الّذين رسّوا نبيّهم في الأرض وقد مضى قصّتهم وبيان الرّسّ في سورة الفرقان (وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) المراد من فرعون هو وقومه كما أراد من ثمود وعاد الطّائفتين اللّتين سمّيتا بهما (وَإِخْوانُ لُوطٍ) اى اخوان معاشرته (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) اى قوم شعيب كما سبق مكرّرا (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) قد سبق في سورة الدّخان (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وفيه تسلية للرّسول (ص) وقومه وتهديد للكفّار بوعيده (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) فنعجز عن الاعادة بذلك؟ (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) اى في اشتباه ولذلك أنكروا الخلق الجديد لا انّ لهم برهانا على عدم الاعادة كما يدّعيه الفلاسفة ، أو في اختلاط من خلق جديد يعنى انّ خلقتهم القديمة مختلطة بخلقتهم الجديدة لكنّهم غافلون عنه ، أو في لبس لباس على ان يكون اللّبس بفتح اللّام بمعنى اللّبس بضمّ اللّام وقد سبق في اوّل البقرة عند قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وعند قوله و (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) (الآية) ما به غنية عن بيان كونهم في خلق جديد ، ونكّر الخلق الجديد لانّ الخلق الجديد لهم من قبيل الحركة فهم في كلّ آن في خلق غير الخلق الاوّل فلا بقاء لفرد من افراده حتّى يمكن ان يعرف ، وعن
حديث في تجدّد العوالم غير هذا العالم
الباقر (ع) انّه سئل عن هذه الآية فقال : تأويل ذلك انّ الله تعالى إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار جدّد الله عالما غير هذا العالم ، وجدّد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه ، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذا السّماء تظلّهم ، لعلّك ترى انّ الله انّما خلق هذا العالم الواحد ، أو ترى انّ الله لم يخلق بشرا غيركم ، بلى والله لقد خلق الف الف عالم ، والف الف آدم ، أنت في آخر تلك العوالم