وانّما يتنزّل الأمر اليه من فوق السّماء بين السّماوات والأرضين ، قلت : فما تحتنا الّا ارض واحدة ، قال : وما تحتنا الّا ارض واحدة وانّ السّتّ لفوقنا (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) في هذا الدّين الواقع الحقّ بانّ بعضكم يصدّق ، وبعضكم يكذّب ، أو في محمّد (ص) بالتّصديق والتّكذيب وبأنّه مجنون أو شاعر أو معلّم من غيره أو كاهن ، أو في القرآن بانّه سحر وكهانة ورجز وأساطير الاوّلين ، أو في علىّ (ع) خليفته (يُؤْفَكُ عَنْهُ) اى عن الدّين أو محمّد (ص) أو القرآن أو علىّ (ع) وولايته (مَنْ أُفِكَ) حذف المصروف عنه عن الثّانى للمبالغة والتّأكيد في ذمّ من إفك عنه كأنّه قيل : كلّ من إفك من خير يؤفك عنه والمناسب لهذا التّعميم والتّأكيد ان يكون المراد بالضّمير المجرور عليّا (ع) وولايته كما في الخبر فانّه أصل جميع الخيرات والآفك من كلّ خير أفك عنه ، أو المعنى يؤفك عنه من إفك في الذّرّ ، أو المعنى يؤفك عن هذا القول المختلف ، وبسببه من إفك عن الخير ، أو عن هذا الدّين ، أو عن محمّد (ص) أو علىّ (ع) (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الخرص بالفتح الحرز والاسم منه بالكسر يقال كم خرص أرضك بالكسر والقول بالظّنّ والكذب والكلّ مناسب هاهنا والمعنى لعن القائلون في الدّين وخلافة أمير المؤمنين (ع) بالظّنّ والتّخمين ، واستعمال القتل في اللّعن لانّ من لعنه الله يقتله عن الحيوة الانسانيّة (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) الغمرة شدّة الشّيء ومزدحمه ، وتنكيره للتّفخيم وعدم نسبته الى شيء مخصوص لإيهام التّعميم والمعنى الّذين هم في غمرة من كلّ شيء من الجهل والشّهوات والغضبات والشّيطنة والكبر والعجب والفخر (ساهُونَ) عمّا ذكّرناهم به بحسب فطرتهم من طريق الآخرة ونعيمها ، أو عمّا ذكّرناهم في عالم الذّرّ ، أو ساهون عن الله وعن المنعم وانعامه (يَسْئَلُونَ) حال أو خبر بعد خبر أو مستأنف (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) اى يوم الجزاء وكان سؤالهم هذا استهزاء وإنكارا ولذلك أتى به بعد قوله : الّذين هم في غمرة ساهون وأجابهم بقوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقال لهم (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) اى عذابكم وحريقكم أو فسادكم في الدّنيا (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) بدل من فتنتكم أو مبتدء وخبر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر عن حال المتّقى عن القول المختلف أو عن الافك عن الولاية (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) كناية عن رضاهم به وهو كناية عن كون ما آتاهم مرضيّا حسنا (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) مستأنف في مقام التّعليل والمعنى انّهم كانوا محسنين في أعمالهم ، أو كانوا ذوي حسن وهو الولاية ، أو كانوا محسنين الى من تحت أيديهم والى غيرهم (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) بدل من قوله كانوا قبل ذلك محسنين نحو بدل التّفصيل عن الإجمال (ما يَهْجَعُونَ) عن الصّادق (ع): كانوا اقلّ اللّيالى يفوتهم لا يقومون فيها ، وعن الباقر (ع): كان القوم ينامون ولكن كلّما انقلب أحدهم قال : الحمد لله ولا اله الّا الله والله أكبر (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
اعلم ، انّ الإنسان الصّغير كالإنسان الكبير في وجوده ليل ويوم وشمس وقمر ، وليله مراتب طبعه ونفسه الحيوانيّة ، ويومه مراتب ملكوته ، وشمسه عقله ، وقمره نفسه المستضيئة بنور العقل ، وما لم يخرج الإنسان من بيت طبعه ونفسه لا يمكن غفران مساويه ولو استغفر كلّ يوم الف مرّة ، وإذا خرج من حدود نفسه الحيوانيّة وقرب من حدود قلبه وعقله الّتى هي في الصّغير بمنزلة الأسحار في الكبير سأل بلسان حاله غفران مساويه من ربّه ويجيبه الله ويغفره سواء سأل بلسان قاله أو لم يسأل ، ومن هاهنا يظهر سرّ تقييد الاستغفار بالأسحار ، وسرّ تقديم الأسحار المفيد للحصر (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) من منفعة كسبه ، ولا يخفى تعميم الأموال للاعراض الدّنيويّة والقوى