تعليل لقوله تعالى لا يسئل عن ذنبه على الوجه الأخير واستيناف كلام على سائر الوجوه ، والمراد بالسّيما العلامة الّتى عليهم من سواد الوجه وزرقة العيون ، أو ما يغشيهم من القتر والذّلّة (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) يعنى فتأخذهم الزّبانية فتجمع بين نواصيهم واقدامهم بالغلّ ثمّ يسحبون في النّار ، أو يأخذهم الزّبانية بنواصيهم واقدامهم فتسوقهم الى النّار ، عن الصّادق (ع) انّه سأل بعض أصحابه ما يقولون في هذا؟ ـ قال : يزعمون انّ الله تعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة فيأمر بهم فيؤخذون بنواصيهم واقدامهم فيلقون في النّار ، فقال : وكيف يحتاج تبارك وتعالى الى معرفة خلق انشأهم وهو خلقهم؟ ـ قال : وما ذاك؟ ـ قال : ذاك لو قام قائمنا أعطاه الله السّيما فيأمر بالكافرين فيؤخذ بنواصيهم واقدامهم ثمّ يخبط بالسّيف خبطا (١) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هذِهِ جَهَنَّمُ) حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر اى يقال لهم : هذه جهنّم (الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) يعنى يطوفون بين ماء حارّ واقع بين جهنّم ، أو قد يطوفون بين جهنّم في النّار ، وقد يطوفون بين ماء حارّ غاية الحرارة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) اى مقام ربّه بالنّسبة الى نفسه وانّه في مقام يراه ويسمع قوله ، أو مقامه عند ربّه للحساب ، وعن الصّادق (ع) قال : من علم انّ الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير وشرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذى خاف مقام ربّه ونهى النّفس عن الهوى (جَنَّتانِ) بحسب صفحتي النّفس العمّالة والعلّامة إحديهما وهي الّتى تكون بحسب صفحتها العمّالة جنّة النّعيم والاخرى جنّة الرّضوان وذلك انّه منع قوّته العمّالة عن القبيح وقوّته العلّامة عن الشّيطنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ذَواتا أَفْنانٍ) جمع الفنّ بمعنى الأنواع من الأشجار والاثمار والنّعم ، أو جمع الفنن بمعنى الاغصان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) في كلّ من الجنّتين عينان أو في كلّ منهما عين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) من فواكه الجنّات (زَوْجانِ) اى الرّطب واليابس ، أو المعروف من الثّمار والغريب منها ، أو المراد ما فيه حظّ للعلّامة وما فيه حظّ للعمّالة ، فانّ ثمار الدّنيا يلتذّ بها الباصرة كما يلتذّ بها الذّائقة ، وفي الجنان يتميّز الكيفيّتان بمحالّها أو صنف مستقدر لمقام تقدّر الإنسان وصنف مجرّد لمقام تجرّده (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ) حال ممّن خاف مقام ربّه (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها) جمع البطانة بمعنى الباطن (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) شخين الحرير (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) اى الثّمار الّتى من شأنها ان تجنى دانية من الآكلين حتّى ينالها القائم والقاعد والمضطجع (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَ) اى في الجنان (قاصِراتُ الطَّرْفِ) على أزواجهنّ ، أو تقصر الأطراف عن النّظر اليهنّ لتلألئهنّ (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) الطّمث الافتضاض والمسّ والانس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) في الصّفاء والشّفيف فانّه روى انّ المرأة من أهل الجنّة يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة من حرير (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) اى ما جزاء من أنعم عليه بالمعرفة اى معرفة الامام الّا الجنّة؟ ـ فانّ الإحسان اى صيرورة الإنسان ذا حسن لا يحصل للإنسان الّا بقبول ولاية علىّ (ع) ، وفي رواية : هل جزاء من قال : لا اله الّا الله الّا الجنّة؟! يعنى بشرطها وعلىّ (ع) من شروطها ، وفي خبر : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتّوحيد الّا الجنّة؟ ـ يعنى
__________________
(١) الخبط كالضرب وزنا ومعنا.