(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) لا تقدرون ان تقولوا أنزله البشر فانّا (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) بتعظيم المنعم بهذه النّعم بامتثال أوامره ونواهيه (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) اى الشّجرة الّتى تأخذون منها الزّند والزّندة وهما تؤخذان من الشّجر الأخضر فيحكّ الزّند بالزّندة فتنقدح النّار (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها) اى النّار أو الشّجرة (تَذْكِرَةً) لتصرّف الحقّ تعالى وجعل كلّ شيء من سنخه كالنّار ، أو تذكرة لقدرة الحقّ وعنايته بخلقه حيث اخرج من الشّجر الأخضر نارا تنتفعون بها في كثير من معايشكم (وَمَتاعاً) وما يتمتّع به (لِلْمُقْوِينَ) أقوى استغنى وافتقر وبات على القىّ بالكسر اى القفر من الأرض وكذلك القواء بالكسر والمدّ والقواية بالفتح ، وأقوى نزل فيه ، إذا كان ربّك يفعل هذه وينعم بهذه (فَسَبِّحْ) أنت ولا تكترث بردّهم (بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الباء للسّببيّة اى سبّح الله بسبب اسم ربّك يعنى بسبب تذكّره أو بسبب بشريّة علىّ (ع) أو بسبب مقام نورانيّته فانّ الكلّ اسم الله ، أو سبّح اسم ربّك فيكون الباء صلة سبّح (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) لا زائدة أو نافية ردّ لما قالوه في القرآن من انّه سحر أو شعر أو أساطير الاوّلين ، أو نافية ونفى للقسم والمعنى لا اقسم فيما أدّعيه من انّه قرآن كريم بوضوحه وعدم احتياجه الى القسم ، ومواقع النّجوم مغاربها ، أو مطالعها ، أو انتشارها يوم القيامة ، أو الأنواء الّتى كانوا في الجاهليّة يقولون : أمطرنا بنوء كذا وهو سقوط كوكب وقت طلوع الفجر وطلوع آخر مقابله ، أو رجومها للشّياطين كما في الخبر ، فانّه روى عن الصّادق (ع) انّ مواقع النّجوم رجومها للشّياطين ، وكان المشركون يقسمون بها فقال سبحانه : فلا اقسم بها ، أو المراد بمواقع النّجوم مواقع نزول القرآن فانّه نزل نجوما (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) اى انّ المتلوّ عليك أو الموحى إليك أو قرآن ولاية علىّ (ع) قرآن كريم عزيز خطير (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) هو كتاب العقول الّذى هو الامام المبين ، أو كتاب النّفوس الكلّيّة الّذى هو الكتاب المحفوظ ، فانّ القرآن نزل من مقام جمع الجمع الّذى هو المشيّة الى مقام الجمع الّذى هو مقام العقول الطّوليّة والعرضيّة ، والى مقام النّفوس الكلّيّة وثبت في تلك المقامات اوّلا ثمّ منها الى صدر النّبىّ (ص) ثمّ منه الى حسّه المشترك ، ثمّ منه الى الخارج بصورة الألفاظ والحروف ، أو بصورة الكتابة والنّقوش وهو في كلّ تلك المقامات قرآن جامع بين الوحدة والكثرة واحكام القلب والقالب والعلم والعمل (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) خبر وباق على خبريّته فانّ القرآن الّذى هو في كتاب مكنون لا يصل الى حريم قدسه الّا الّذى تطهّر من الواث المعاصي والمحرّمات ، وادناس التّوجّه الى الكثرات والانانيّات ، وأرجاس الحدود والتّعيّنات ، ولكن لمّا كان التّكليف مطابقا للتّكوين والظّاهر موافقا للباطن كان التّكليف بحسب المقام البشرىّ ان لا يمسّ قالب الإنسان قالب القرآن وظاهره كما ورد في الاخبار وافتى به العلماء وقالوا : انّ الخبر هاهنا في معنى النّهى اى الّا المطهّر من الاحداث والاخباث ، ولذلك نهوا عن مسّ خيطه وعلاقته وجلده وقرطاسه بدون الطّهارة واستشهدوا بهذه الآية ، وروى انّه لمّا استخلف عمر سأل عليّا (ع) ان يدفع إليهم القرآن فقال : يا أبا الحسن ان جئت بالقرآن الّذى جئت به الى ابى بكر حتّى نجتمع عليه ، فقال : هيهات ليس الى ذلك سبيل انّما جئت به الى ابى بكر لتقوم الحجّة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة : انّا كنّا عن هذا غافلين أو تقولوا : ما جئتنا به فانّ القرآن الّذى عندي لا يمسّه الّا المطهّرون والأوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل وقت لإظهاره معلوم؟ ـ قال علىّ : نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل النّاس عليه فتجرى السّنّة به (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) تشريف آخر له (أَفَبِهذَا