(فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) الهيم بالكسر الإبل العطاش جمع الهيمان والهيمى بمعنى العطشان ، أو الإبل الّتى بها داء يصيبها شبه الاستسقاء جمع الهيمان والهيمى ، والهيام كسحاب الرّمل الّذى لا يتمالك كلّما صبّ عليه الماء استنقعه ، والهائم المتحيّر والهيام كغراب حالة كالجنون من العشق (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) النّزل ما يعدّ للنّازل تشريفا له وهو تهكّم بهم وتهديد بانّ هذا نزلهم فكيف بهم في منازلهم المقرّرة لهم؟! (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ) لا غيرنا (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) بمخلوقيّتكم حتّى تصدّقوا بخالقكم ، أو لو لا تصدّقون ببعثكم بعد إقراركم بخلقكم ابتداء ، والبعث أهون في انظاركم من الخلق ابتداء (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) جواب شرط مقدّر والتّقدير ان لم نكن نحن خلقنا فأخبرونى عمّا تمنون (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) أو الفاء للسّببيّة ، والهمزة على التّقديم والتّأخير والتّقدير نحن خلقنا بسبب ان يقال : أخبروني عمّا تمنون عن جواب هذا السّؤال الّذى هو أأنتم تخلفونه أم نحن الخالقون ولا جواب لكم الّا ان تقولوا : الله هو الخالق فلو لا تصدّقون بخالقيّتنا؟ (نَحْنُ قَدَّرْنا) قرئ بالتّخفيف والتّشديد (بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) لا غيرنا (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) اى في عالم لا تعلمونه يعنى نحن شأننا وشغلنا على الاستمرار تبديل الخلق بخلق آخر وإخراج الخلق الاوّل من قبور الأبدان وانشاؤهم في عالم آخر نظير إخراج الجنين من الرّحم وإنشائه في عالم لا يعلمه وتبديله بجنين آخر ولا مانع لنا من ذلك (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) اى النّشأة الدّنيا وتبديلنا للنّبات بنبات آخر وإنشاء النّبات في نشأة الحيوان والإنسان وتبديل الحيوان وإنشائه في عالم حيوان آخر أو إنسان ، وتبديل النّطفة من صورة الى صورة ومن مقام الى مقام ومن حال الى حال وكلّما طرأ عليها من الأحوال والصّور كان أعلى وأشرف من سابقه ، وانّ الدّنيا ليست الّا كالرّحم للجنين ، وانّ نقل الجنين من الرّحم الى الدّنيا ليس الّا النّقل من السّجن الى فسحة وسيعة (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) نقلكم من الدّنيا الى الآخرة ولو لا تذكّرون؟! انّ هذا النّقل أيضا ليس الّا النّقل من السّجن الى فسحة عظيمة وسيعة فلو لا تذكّرون؟! انّه كما يكون نقل الجنين الى الدّنيا استكمالا له بكثير من الكمالات الّتى لا يمكن تحصيلها له في الرّحم كذلك يكون نقل جنين الدّنيا من رحم الدّنيا الى الآخرة استكمالا بكثير من الكمالات الّتى لا يمكن تحصيلها له في الدّنيا ، ولو لا تذكّرون؟! انّ عالم الآخرة نسبته الى الدّنيا مثل نسبة الدّنيا الى الرّحم بل فوق ذلك ، ولقد علمتم النّشأة الاولى وكونكم في الدّنيا واتّصالكم بالآخرة في النّوم الّذى هو أخو الموت وشهودكم لعالم المثال كلّ يوم مرّة أو مرّتين ، واطلاقكم من قبوركم الّتى يتعسّر عليكم طىّ الزّمان والمكان معها وطيّكم للزّمان وشهود ما يأتى وطيّكم للمكان وشهود الوقائع الواقعة في الأمكنة البعيدة فلو لا تذكّرون؟! انّ الموت ان لم يكن اشدّ من النّوم في ذلك لم يكن انقص منه فتشتاقوا الى هذا الإطلاق ، وطىّ الزّمان والمكان وشهود ما يأتى وشهود ما لم يكن في مكانك وبلدتك ، عن السّجّاد(ع) العجب كلّ العجب لمن أنكر النّشأة الاخرى وهو يرى النّشأة الاولى (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) اى أأنتم تنبتونه وتبلّغونه الى مقام بلوغ الحبّ والحصاد أم نحن فاعلون ذلك؟ لستم تقولون انّ الإنبات والتّبليغ الى الحصاد فعل البشر فانّه (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) هشيما يليق للنّار (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) فكّههم بملح الكلام اظرفهم بها فالمعنى تتحدّثون بالأحاديث المليحة على سبيل التّهكّم أو ظلتم تتحدّثون وتنقلون بينكم الأحاديث والأسمار في ذلك (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) من الغرام بمعنى الشّرّ الدّائم والهلاك والعذاب والولوع (بَلْ نَحْنُ) قوم (مَحْرُومُونَ) عن الأرزاق