من آفات الآخرة وسلامتهم سلامتك أو سلام لك يا من هو من أصحاب اليمين يعنى لا يكون بعضهم شرّا لبعض ، أو يحيّى بعضهم بعضا بتحيّة السّلام ، أو يا من يتأتّى منه الخطاب فانّ أصحاب اليمين سلامة على الكلّ ويحيّون الكلّ (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) الماء الحارّ البالغ في الحرارة اى لهم ذلك معدّا لهم كما يعدّ للنّازل تشريفا له (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وإدخال النّار (إِنَّ هذا) المذكور من الأصناف الثّلاثة وجزاءهم (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ).
اعلم ، انّ الشّيء المتيقّن له ثلاث أحوال : فانّ المدرك المتيقّن امّا متيقّن في مقام العلم ، أو في مقام الشّهود بمعنى انّ المدرك كان مشهودا له ببصره أو بصيرته ، أو في مقام التّحقّق بمعنى انّ المدرك كان متحقّقا بالمدرك وصار ذاته مثاله المتيقّن بالنّار بإدراك الدّخان الّذى هو من آثارها أو بشهودها ، أو بصيرورته عين النّار ، والاوّل هو علم اليقين ، والثّانى عين اليقين ، والثّالث حقّ اليقين ، والاضافة من قبيل اضافة السّبب الى المسبّب ، أو المسبّب الى السّبب ، والمعنى انّ هذا لهو متحقّق وواقع ومورث بآثاره لليقين أو حاصل من اليقين به ٩ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قد مضى هذه الآية قبيل هذا.
سورة الحديد
مدنيّة كلّها ، تسع وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد مضى في سورة بنى إسرائيل بيان تسبيح الأشياء عند قوله :
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، ومضى مكرّرا انّ المقصود من التّسبيح من اىّ شيء كان هو تنزيه لطيفته الإلهيّة ووجهته الرّبّانيّة من نقائص المادّة وحدودها فانّ كلّ موجود ممّا له قوّة واستعداد بفطرة ذاته يخرج من القوّة الى الفعليّة ، ومن النّقص الى الكمال ، ومن الحدود الى الإطلاق بالاضافة الى مراتبه النّاقصة ، وهذا الخروج هو تسبيحه الفعلىّ ولمّا كان تلك الوجهة الالهيّة بوجه ربّه وبوجه اسم ربّه وبوجه مظهر الله وبوجه شيئيّة ذلك الشّيء وذاته كان المقصود من التّسبيح سواء علّق على الله أو على الرّبّ أو على اسم الرّبّ هو تنزيه تلك اللّطيفة ، واللّام في الله زائدة للتّقوية ، والله مفعول به لسبّح أو للتّعليل ، ومفعوله محذوف ، ولفظ سبّح مأخوذ من سبحان الله بطريق المشتقّات الجعليّة اى قال سبحان الله ، أو هو من التّسبيح بمعنى نزّه الله ، والاختلاف بالمضىّ والمضارعة في تلك السّور للاشعار بانّ التّسبيح فطريّ للأشياء غير مقيّد بزمان دون زمان ولتجديد نشاط السّامع والتّفنّن في العبارة ، والإتيان بالمصدر في بنى إسرائيل للاشعار بانّه تعالى منزّه في ذاته سبّحه مسبّح أم لم يسبّحه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الّذى غلبته تقتضي تسبيح كلّ شيء فانّ الغالب يتوجّه كلّ شيء اليه ويعظّمه وينزّهه من كلّ نقص (الْحَكِيمُ) الّذى اتقن صنع كلّ شيء بحيث لا يوجد شيء الّا وهو مسبّح له ولاتقان صنعه لا يشعر أحد بتسبيح شيء من الأشياء ولو أشعر هلك أو جنّ ما لم ينفتح سمعه الملكوتىّ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وجه آخر لتسبيح كلّ شيء له (يُحْيِي)