أَرْحامُكُمْ) الّذين تخالفون رسول الله (ص) بسببهم (وَلا أَوْلادُكُمْ) والجملة جواب لسؤال مقدّر عن كيفيّة انتفاعهم بأرحامهم أو عن علّة هذا القول (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لقوله لن تنفعكم أو لما بعده (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) اى يفرّق بينكم يوم القيامة بشدّة الهول والخوف بحيث يفرّ كلّ من كلّ ، وقرئ يفصل مبنيّا للفاعل ومبنيّا للمفعول من الثّلاثىّ المجرّد ومن التّفعيل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم على ما عملتم فلا نجاة لكم من قبل أرحامكم ولا من قبل الله تعالى (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) اقتداء حسن أو خصلة حسنة ينبغي ان يقتدى بها (فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا) بدل من إبراهيم أو تعليل أو ظرف لقوله معه (لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) اى تبرّأنا منكم فانّ الكفر هاهنا كما في الخبر بمعنى البراءة (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) يعنى بغضنا لكم بغض لله وبغضكم لنا بغض للشّيطان (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) فحينئذ ينقلب العداوة محبّة والفة (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) استثناء من إبراهيم استثناء متّصلا في كلام تامّ أو استثناء مفرّغ والتّقدير لكم أسوة حسنة في إبراهيم في كلّ شيء منه الّا في قول إبراهيم (ع) (لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) فانّ هذا القول كان لموعدة وعدها ايّاه والّا كان متبرّء منه (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) اى من قبل الله أو من رحمة الله أو من عذاب الله (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) اشارة الى الفناءات الثّلاثة ، فانّ التّوكّل ليس الّا بترك نسبة الفعل الى النّفس ، والانابة حينئذ تكون بترك نسبة الصّفات ، وإليك المصير اشارة الى فناء الذّات ، هذه الجمل من مقول القول الاوّل ومن جملة ما يتأسّى به (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) اى لا تجعلنا امتحانا أو ضلالا أو إثما أو كفرا أو فضيحة أو عذابا أو اضلالا يعنى لا تجعلنا سبب ذلك لهم ، أو لا تجعلنا ممتحنين لأجل عذاب الّذين كفروا ، أو لأجل هداية الّذين كفروا ومعنى كونهم سببا لفتنة الّذين كفروا ان يجعلهم بحال من الفقر والحاجة أو من الابتلاء والمصيبة أو من ارتكاب ما لا ينبغي ان يرتكبوا من المعاصي أو من اختلاف الكلمة والنّزاع بينهم ، أو من موالاة الكفّار أو اتّباعهم في بعض ما لهم ، أو من المعارضة معهم ، أو من المجادلة معهم والضّعف عن جوابهم يستهزئ بهم أو يغتابون أو يعارضون أو يشتمون أو ينفر منهم ومن دينهم أو يقاتلون ، وقيل : معناه ولا تسلّطهم علينا فيفتنونا عن دينك ، وقيل : الطف بنا حتّى نصبر على أذاهم ولا نتّبعهم فنصير فتنة لهم ، وروى عن الصّادق (ع) انّه قال : ما كان من ولد آدم (ع) مؤمن الّا فقيرا ولا كافرا الّا غنيّا حتّى جاء إبراهيم (ع) فقال : ربّنا لا تجعلنا فتنة للّذين كفروا ، فصيّر الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة أقول على المؤمنين ان يشكروا إبراهيم (ع) ولا ينسوا منّته الّتى منّها عليهم (وَاغْفِرْ لَنا) ما فرّط منّا حتّى لا تؤاخذنا بذلك فتجعلنا فتنة لغيرنا (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب المنيع (الْحَكِيمُ) الّذى تعلم دقائق الأمور وتتقن الصّنع مشتملا على غايات دقيقة انيقة (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) في إبراهيم (ع) وقومه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) كرّره للتّأكيد والتّرغيب ولتخصيصه بمن كان يرجوا لله (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يعنى هذه الاسوة مختصّة بمن كان يرجوا لله وامّا غيره فلا يتأسّى (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن التّأسّى منكم فلا يضرّ الله شيئا وانّما أمركم بالتّأسّى ترحّما عليكم (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) حمد أم لم يحمد (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) جواب