تعالى بالتّربية إليهم ختم السّورة بما فتحها به وجعله تعليلا لقوله تعالى : له الأسماء الحسنى فانّ تمام الأسماء الاضافيّة والأسماء الحقيقيّة تستفاد من تسبيح جميع الأشياء له ، وقوله : هو العزيز الحكيم تعليل وتأكيد لما يستفاد من تسبيح الأشياء له فانّه لا يتصوّر ان تكون الأشياء مسبّحة له تعالى الّا إذا كان هو الفعليّة الاخيرة للأشياء وكان قوام جميع الأشياء به ، وهذا المعنى يستلزم جميع الصّفات السّلبيّة والاضافيّة والحقيقيّة ذات الاضافة والحقيقة المحضة.
سورة الممتحنة
مدنيّة ، وثلاث عشرة آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) قيل : نزلت في خاطب بن ابى بلتعة وذلك انّ مولاة ابى عمرو أتت رسول الله (ص) من مكّة الى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله (ص) : أمسلمة جئت؟ ـ قالت : لا ، قال : فما جاء بك؟ ـ قالت : احتجت حاجة شديدة فأتيتكم لترفعوا حاجتي ، قال : فأين أنت من شبّان مكّة؟ ـ وكانت مغنيّة نائحة قالت : ما طلب منّى أحد بعد وقعة بدر فحثّ رسول الله (ص) عليها بنى عبد المطّلب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة ، وكان رسول الله (ص) يتجهّز لفتح مكّة فأتاها خاطب بن ابى بلتعة وكتب معها كتابا الى أهل مكّة وأخبرهم انّ محمّدا (ص) يريدهم ، فخرجت سارّة ومعها الكتاب وكانت كتمته في ذؤابتها ، فنزل جبرئيل فأخبر النّبىّ (ع) فبعث رسول الله (ص) عليّا وعمّارّا وعمر والزّبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وكانوا كلّهم فرسانا ، وقال لهم : انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ وخذوا الكتاب منها ، فخرجوا الى ذلك المكان فوجدوها به فقالوا لها : اين الكتاب؟ ـ فحلفت بالله ما معها كتاب ففتّشوها فلم يجدوا معها كتابا فهمّوا بالرّجوع ، فقال علىّ (ع) : والله ما كذب رسول الله (ص) وسلّ سيفه وقال : اخرجى الكتاب والّا والله لاضربنّ عنقك فأخرجته من ذؤابتها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله (ص) ، فقال لخاطب : ما حملك على ما صنعت؟ ـ قال : يا رسول الله (ص) والله ما كفرت منذ أسلمت ولاغششتك منذ نصحتك ولكن لم يكن أحد من المهاجرين الّا وله بمكّة من يمنع عشيرته وكنت غريبا وكان أهلي بين ظهرانيّهم فخشيت على أهلي فأردت ان اتّخذ عندهم يدا وقد علمت انّ كتابي لا يغني عنهم شيئا (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من مكّة (أَنْ تُؤْمِنُوا) لان تؤمنوا (بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) شرط تهييجىّ (تُسِرُّونَ) تلقون (إِلَيْهِمْ) في السّرّ أو تظهرون إليهم في السّرّ (بِالْمَوَدَّةِ) أو تعلمونهم في السّرّ من أحوال الرّسول (ص) بسبب المودّة الّتى بينكم وبينهم (وَأَنَا أَعْلَمُ) فعل أو افعل التّفضيل (بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) فاطلع رسولي عليكم (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) وهو الصّراط الانسانىّ يعنى ضلّ سواء السّبيل الى الطّرق الشّيطانيّة (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) في موضع التّعليل (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالقتل والضّرب والشّتم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) عطف على جملة الشّرط والجزاء (لَنْ تَنْفَعَكُمْ