(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا لم يكن هذا الحكم خاصّا بالنّبىّ (ص) خاطب جميع المؤمنين (لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) قيل : كان فقراء المسلمين يخبرون اليهود اخبار المسلمين فيصيبون من ثمارهم فنهى الله عن ذلك (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) اى الكفّار الّذين هم جنس أهل القبور من الآخرة ، أو كما يئس الكفّار من وصول خير من أهل القبور إليهم ، أو كما يئس الكفّار من ان يحيى أهل القبور.
سورة الصّف
مدنيّة ، وهي اربع عشرة آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) قيل : نزلت في قوم كانوا يقولون إذا لقينا العدوّ لم نفرّ ولم نرجع عنهم ثمّ لم يفوا يوم أحد ، وقيل : نزلت في قوم قالوا : جاهدنا وأبلينا وفعلنا ولم يفعلوا ، وقيل : نزلت في المؤمنين فانّهم بعد ما سمعوا ثواب شهداء بدر قالوا : لو لقينا قتالا جهدنا غاية جهدنا ولم نفرّ ، وقيل : انّ المسلمين قالوا : لو علمنا احبّ الأعمال لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ، فأنزل الله انّ الله يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا فلم يفوا يوم أحد وقال القمّىّ : نزلت في الّذين وعدوا محمّدا (ص) ان لا ينقضوا عهده في أمير المؤمنين (ع) فعلم الله انّهم لا يفون بما يقولون وقد سمّاهم الله المؤمنين بإقرارهم وان لم يصدّقوا.
اعلم ، انّ القول هاهنا اعمّ من القول اللّسانىّ والقول النّفسانىّ اى الاعتقاد الجنانىّ ، وامّا الخطرات والخيالات الّتى تقذف في قلوب النّاس من غير عزم منهم عليها فهي ليست أقوالا لهم بل هي واردة عليهم من الشّيطان أو الملك فهي أقوال الشّيطان أو الملك ، وهذا القول اعمّ من ان يكون في الأحكام الالهيّة بان يقول الإنسان بنحو الإفتاء أو التّقليد حكما من الأحكام ولا يفعل به ، وفي الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر بان يأمر غيره ولا يأتمر وينهى ولا ينتهى ، وفي المواعظ والنّصائح بان يعظ وينصح بما لم يفعله ، وقد ابتلى بالاوّل والثّانى المجتهدون الّذين نصبوا أنفسهم لبيان احكام العباد ، والمقلّدون الّذين نصبوا أنفسهم لذلك ، وبالثّالث القصّاص والوعّاظ وان كان لا يخلوا من الثّلاثة أكثر النّاس ولو بالنّسبة الى من تحت يده ، وفي المواعيد والعقود والبيعة الاسلاميّة والايمانيّة ، فانّه ورد عن الصّادق (ع): عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة له فمن اخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرّض ، وذلك قوله : يا ايّها الّذين آمنوا (الآيتين) وعن علىّ : الخلف يوجب المقت عند الله وعند النّاس قال الله تعالى : كبر مقتا عند الله (الآية) وفي الصّنائع والحرف فانّ صاحب الحرفة إذا قال : ينبغي لصاحب الصّنعة ان يكون صنعته كذا وكذا ، أو قال : الصّنعة إذا كانت كذا وكذا كان المصنوع محكما وكان أبقى ولم يكن يفعل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) مصطفّين تعليل لقوله : لم تقولون ما لا تفعلون على ما بيّن من نزوله في الّذين تمنّوا القتال والجهاد ثمّ لم يثبتوا في أحد أو مطلقا ، فانّ توفيق الفعل للقول يحتاج الى كثير جهاد مع النّفس والشّيطان (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) الرصّ اتّصال بعض البناء