(إنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) نزلت في ابى جهل فانّه قال : لو رأيت محمّدا (ص) يعفّر لوطئت عنقه ، فقيل : هو يسجد ، فجاءه ثمّ رجع على عقبه وكان يتّقى بيديه ، فقيل له في ذلك ، فقال : انّ بيني وبينه خندقا من النّار وهولا وأجنحة (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ) المصلّى (عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) اى وامر بالتّقوى لكنّه أتى بلفظة أو للاشعار بانّ كلّا من الوصفين يكفى في سوء حال النّاهى عن الصّلوة ، وجواب الشّرط محذوف (أَرَأَيْتَ) هذه وسابقتها تكرير وتأكيد للأولى فانّ المقام مقام الذّمّ والسّخط ، والتّكرير مطلوب (إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) متعلّق كذّب وتولّى يجوز ان يكون الله أو الرّسول أو الصّلوة (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) يعنى ان كان يعلم فهو ملوم مستحقّ للعذاب مرّتين ، وان كان لا يعلم فهو ملوم ومستحقّ للعذاب مرّة واحدة (كَلَّا) ردع للإنسان عن فعلته (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) سفعه لطمه وضربه ، وسفع الشّيء وسمه ، وسفع السّموم وجهه لفحه لفحا يسيرا ، وسفع بناصيته قبض عليها فاجتذبها ، ويجوز ان يكون السّفع هاهنا من كلّ من هذه اى لنقبضنّ على ناصيته ونجرّنّه الى النّار ، أو لنسوّدنّ وجهه ، والاختصاص بالنّاصية لانّه أشرف أجزاء الوجه وما به ظهوره اوّلا ، أو لنعلمنّه (١) أو لنذلّنّه ، أو لنضربنّه ، وقد مضى في سورة هود تحقيق الأخذ بناصية كلّ دابّة عند قوله تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) نسبة الكذب والخطيئة الى النّاصية مجاز (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) اى أهل ناديه ، قيل : انّ أبا جهل قال : أتهدّدني وانا أكثر أهل الوادي ناديا؟! فنزلت (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) جمع الزّبنية كشر ذمة متمرّد الجنّ والانس والشّديد منهما ، والشّرطىّ ، أو الزّبانية جمع الزبنىّ بكسر الزّاء والنّون وتشديد الياء بمعنى الشّرطىّ ، يعنى سندعوا الزّبانية لأخذه فليدع ناديه لدفع العذاب ومدافعتنا (كَلَّا) ردع لمحمّد (ص) عن انثلام عزيمته في طاعة ربّه ، أو الخطاب عامّ وكلّا ردع لمن أراد اتّباع ابى جهل في غوايته (لا تُطِعْهُ) في النّهى عن الصّلوة أو في تكذيبه لمحمّد (ص) (وَاسْجُدْ) (٢) ولا تكترث بنهيه اى صلّ واسجد في صلوتك أو تذلّل لربّك (وَاقْتَرِبْ) بسجدتك الى ربّك فانّ أقرب ما يكون العبد الى ربّه وهو ساجد ، والسّجود هاهنا فرض ، فعن ابى عبد الله (ع): العزائم الم تنزيل ، وحم السّجدة ، والنّجم إذا هوى ، واقرء باسم ربّك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض ، وفرض السّجدة على الامّة ان كان الخطاب خاصّا بمحمّد (ص) كان بتبعيّته وفرض السّجدة لقراءة أمثال هذه الآية أو استحبابه لما ذكرنا مكرّرا انّ القارى ينبغي ان يكون حين القراءة فانيا عن نسبة الأفعال الى نفسه ويكون لسانه لسان الله لا لسان نفسه حتّى لا يكون في زمرة من قال الله تعالى : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) فاذا صار لسان القارى لسان الله ينبغي ان يستمع الأمر بالسّجدة من الله فيسجد لسماع الأمر بالسّجدة امتثالا لأمر الله المسموع من لسانه الّذى صار لسان الله.
سورة القدر
مكّيّة ، وقيل : مدنيّة ، ستّ ايات
__________________
(١) من العلامة.
(٢) سجدة واجبة.